. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا كَذَبْت عَلَيْهَا ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا كَذَلِكَ قَالَتْ لَا، وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ لَكَاذِبٌ فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فِي الْحَدِيثِ مَسَائِلُ: (الْأُولَى) قَوْلُهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فَكَرِهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ الْمَسْأَلَةَ عَمَّا لَا حَاجَةَ بِالسَّائِلِ إلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَانَتْ الْمَسَائِلُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ زَمَنَ نُزُولِ الْوَحْيِ مَمْنُوعَةً لِئَلَّا يَنْزِلَ فِي ذَلِكَ مَا يُوقِعُهُمْ فِي مَشَقَّةٍ وَتَعَنُّتٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَعْظَمُ النَّاسِ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ وَجَدْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ التَّبْيِينِ وَالتَّعْلِيمِ فِيمَا يَلْزَمُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالْآخَرُ مَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّعَنُّتِ وَالتَّكَلُّفِ فَأَبَاحَ النَّوْعَ الْأَوَّلَ وَأَمَرَ بِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ، فَقَالَ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}، وَقَالَ {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} وَأَجَابَ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} وَغَيْرِهَا، وَقَالَ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}، وَقَالَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ السُّؤَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ، فَإِذَا وَقَعَ السُّكُوتُ عَنْ جَوَابِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ زَجْرٌ وَرَدْعٌ لِلسَّائِلِ، فَإِذَا وَقَعَ الْجَوَابُ، فَهُوَ عُقُوبَةٌ وَتَغْلِيظٌ.
(الثَّانِيَةُ) فِي قَوْلِهِ فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبْدَأُ بِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيُقَدَّمُ وَبِهِ وَقَعَتْ الْبُدَاءَةُ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ سُنَّةٌ وَاخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى وُجُوبِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالٍ «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِك» فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْأَةِ كَانَ دَافِعًا لِأَمْرٍ لَمْ يَثْبُتْ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا تَصِحُّ الْبُدَاءَةُ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى لُزُومِ الْبُدَاءَةِ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهَا بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِ التَّرْتِيبَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَبْدَأُ إلَّا بِمَا هُوَ الْأَحَقُّ فِي الْبُدَاءَةِ وَالْأَقْدَمُ فِي الْعِنَايَةِ وَبَيَّنَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِالصَّفَا.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَقَعُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَا بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مُسْتَدِلِّينَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّ الرَّجُلَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ تَمَامِ اللِّعَانِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ لَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ طَلَاقَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.
، وَقَالَ الْجُمْهُورُ بَلْ الْفُرْقَةُ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ تَحْصُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute