. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قُرَيْشٍ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ إسْلَامِ زَوْجَتِهِ حِينَ أَخَذَتْهُ جُنْدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ الْفَتْحِ وَأَجَارَهُ الْعَبَّاسُ ثُمَّ غَدَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ) الشُّحُّ الْبُخْلُ مَعَ حِرْصٍ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْبُخْلِ وَالْبُخْلُ يَخْتَصُّ بِمَنْعِ الْمَالِ وَالشُّحُّ بِكُلِّ شَيْءٍ «لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إلَّا مَا أَخَذْت مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيك وَيَكْفِي بَنِيك». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِكَاءِ وَالْفُتْيَا، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَجَازُوا فِيهَا الْغِيبَةَ وَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ عَلَى الزَّوْجِ. وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَعَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ، فَإِنْ أَتَى مَا يُخَصِّصُهُ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ وَإِلَّا فَالْعُمُومُ قَاضٍ بِذَلِكَ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْكِفَايَةُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ لِلنَّفَقَةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْهَادِي وَالشَّافِعِيُّ وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ إنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْأَمْدَادِ فَعَلَى الْمُوسِرِ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّانِ وَالْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ وَالْمُعْسِرِ مُدٌّ وَعَنْ الْهَادِي كُلَّ يَوْمٍ مُدَّانِ. وَفِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ وَعَنْ أَبِي يَعْلَى الْوَاجِبُ مِنْ الْخُبْزِ رِطْلَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ مُسْتَوِيَانِ فِي قَدْرِ الْمَأْكُولِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ اعْتَبَرَ التَّقْدِيرَ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَعَقُّبًا لَهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ بِمَا ذُكِرَ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ، فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَتْ الْكِفَايَةُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ.
وَفِي قَوْلِهَا إلَّا مَا أَخَذْت مِنْ مَالِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْأُمِّ وِلَايَةً فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى أَوْلَادِهَا مَعَ تَمَرُّدِ الْأَبِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ مَا يَجِبُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهَا عَلَى الْأَخْذِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا أَنَّهُ حَرَامٌ، وَقَدْ سَأَلَتْهُ هَلْ عَلَيْهَا جُنَاحٌ فَأَجَابَ عَلَيْهَا بِالْإِبَاحَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَقَرَّهَا عَلَى الْأَخْذِ فِي الْمَاضِي، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فِي الْبُخَارِيِّ «لَا حَرَجَ عَلَيْك أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ».
وَقَوْلُهُ: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك» يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فُتْيَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حُكْمٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ دُونِ نَصْبِ وَكِيلٍ عَنْهُ وَعَلَيْهِ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ لَكِنَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ شَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ، أَوْ مُتَعَزِّزًا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ، أَوْ مُتَعَذِّرًا وَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ فِيهِ شَيْءٌ بَلْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحَنَةِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اشْتَرَطَ فِي الْبَيْعَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute