. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِالْفَسْخِ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ الْمُعْسِرُ بِلَا رَيْبٍ وَلَمْ يُخْبِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا مِنْهُمْ بِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ الْفَسْخَ، وَلَا فَسَخَ أَحَدٌ قَالُوا: وَلِأَنَّهَا لَوْ مَرِضَتْ الزَّوْجَةُ وَطَالَ مَرَضُهَا حَتَّى تَعَذَّرَ عَلَى الزَّوْجِ جِمَاعُهَا لَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْفَسْخِ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ. فَدَلَّ أَنَّ الْإِنْفَاقَ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا قُلْتُمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ كِيسِهِ وَحَدِيثُهُ الْآخَرِ لَعَلَّهُ مِثْلُهُ وَحَدِيثُ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى سُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ الزَّوْجِ وَبِهِ نَقُولُ. وَأَمَّا الْفَسْخُ، فَهُوَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ تُطَالِبُ بِهِ، وَبِأَنَّ قِصَّةَ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَرْبَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْتُمْ هِيَ كَالْآيَةِ دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُنَّ سَأَلْنَ الطَّلَاقَ، أَوْ الْفَسْخَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُنَّ لَا يَسْمَحْنَ بِفِرَاقِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْقِصَّةِ.
وَأَمَّا إقْرَارُهُ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى ضَرْبِهِمَا فَلِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ لِلْآبَاءِ تَأْدِيبَ الْأَبْنَاءِ إذَا أَتَوْا مَا لَا يَنْبَغِي. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُفَرِّطْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ فَلَعَلَّهُنَّ طَلَبْنَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَتَخْرُجُ الْقِصَّةُ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَأَمَّا الْمُعْسِرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَبَتْ الْفَسْخَ، أَوْ الطَّلَاقَ لِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ وَمَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ حُجَّةً بَلْ كَانَ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ كَرِجَالِهِنَّ يَصْبِرْنَ عَلَى ضَنْكِ الْعَيْشِ وَتَعَسُّرِهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يُرِدْنَ الْآخِرَةَ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُنَّ الدُّنْيَا فَلَمْ يَكُنَّ يُبَالِينَ بِعُسْرِ أَزْوَاجِهِنَّ. وَأَمَّا نِسَاءُ الْيَوْمِ، فَإِنَّمَا يَتَزَوَّجْنَ رَجَاءَ الدُّنْيَا مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِهِ وَأَئِمَّةُ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الْعَمَلَ بِهَا كَمَا سَلَفَ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعِ الَّذِي عَاضَدَهُ مُرْسَلُ سَعِيدٍ، وَلَوْ فُرِضَ سُقُوطُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ غُنْيَةً عَنْهُ.
(وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ يُحْبَسُ الزَّوْجُ إذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى يَجِدَ مَا يُنْفِقُ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَنْبَرِيِّ، وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ يُحْبَسُ لِلتَّكَسُّبِ وَالْقَوْلَانِ مُشْكِلَانِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الْغَدَاءُ فِي وَقْتِهِ وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ فِي وَقْتِهِ فَالْحَبْسُ إنْ كَانَ فِي خِلَالِ وُجُوبِ الْوَاجِبِ، فَهُوَ مَانِعٌ عَنْهُ فَيَعُودُ عَلَى الْغَرَضِ الْمُرَادِ بِالنَّقْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَلَا وُجُوبَ فَكَيْفَ يُحْبَسُ لِغَيْرِ وَاجِبٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ صَارَ كَالدَّيْنِ، وَلَا يُحْبَسُ لَهُ مَعَ ظُهُورِ الْإِعْسَارِ اتِّفَاقًا.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد لِمَرْأَةٍ سَأَلَتْهُ عَنْ إعْسَارِ زَوْجِهَا، فَقَالَ ذَهَبَ نَاسٌ إلَى أَنَّهُ يُكَلَّفُ السَّعْيَ وَالِاكْتِسَابَ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهَا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ فَلَمْ تَفْهَمْ مِنْهُ الْجَوَابَ فَأَعَادَتْ السُّؤَالَ، وَهُوَ يُجِبْهَا ثُمَّ قَالَ يَا هَذِهِ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute