. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَرَجُلٌ آخَرُ وَالْمَرْأَةُ وَخَادِمُهَا فَقَتَلُوهُ ثُمَّ قَطَّعُوهُ أَعْضَاءً وَجَعَلُوهُ فِي عَيْبَةٍ وَطَرَحُوهُ فِي رَكِيَّةٍ فِي نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَفِيهَا - فَأُخِذَ خَلِيلُهَا فَاعْتَرَفَ ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَاقُونَ فَكَتَبَ يَعْلَى - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ - بِشَأْنِهِمْ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ عُمَرُ بِقَتْلِهِمْ جَمِيعًا، وَقَالَ وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَهْلَ صَنْعَاءَ اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ لَقَتَلْتهمْ أَجْمَعِينَ ".
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ رَأْيَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْهُ كُلُّ وَاحِدٍ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ فِيهِ دَلِيلًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْ تَمَالَأَ أَيْ تَوَافَقَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ مَذَاهِبُ:
(الْأَوَّلُ) هَذَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ " عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ أَتَيَاهُ بِآخَرَ، فَقَالَا هَذَا الَّذِي سَرَقَ وَأَخْطَأْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يُجِزْ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَغْرَمَهُمَا دِيَةَ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعَتْكُمَا "، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالنَّفْسِ.
(وَالثَّانِي) لِلنَّاصِرِ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْوَرَثَةُ وَاحِدًا مِنْ الْجَمَاعَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ قُتِلَ وَيُلْزَمُ الْبَاقُونَ الْحِصَّةَ مِنْ الدِّيَةِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ، وَلَا تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقْتَلُوا لِصِفَةٍ زَائِدَةٍ فِي الْمَقْتُولِ بَلْ الدِّيَةُ رِعَايَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ، وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ.
هَذِهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ قَوْلُ دَاوُد؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ، وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ، وَقَدْ انْتَفَتْ هُنَا ثُمَّ مُوجِبُ الْقِصَاصِ هُوَ الْجِنَايَةُ الَّتِي تُزْهَقُ الرُّوحُ بِهَا، فَإِنْ زُهِقَتْ بِمَجْمُوعِ فِعْلِهِمْ فَكُلُّ فَرْدٍ لَيْسَ بِقَاتِلٍ فَكَيْفَ يُقْتَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ النَّخَعِيِّ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَاتِلًا بِانْفِرَادِهِ لَزِمَ تَوَارُدُ الْمُؤْثِرَاتِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ وَالْجُمْهُورُ يَمْنَعُونَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمْ جَمِيعًا، أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِهِمْ، فَإِنَّ فَرْضَ مَعْرِفَتِنَا بِأَنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ قَاتِلَةٌ بِانْفِرَادِهَا لَمْ يَلْزَمْ أَنَّهُ مَاتَ بِكُلٍّ مِنْهَا، فَلَا عِبْرَةَ بِالْأَسْبَقِ.
وَأَمَّا حُكْمُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَفِعْلُ صَحَابِيٍّ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَدَعْوَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ دَمِ الْمَقْتُولِ وَقِيلَ: تَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ وَنَسَبَ قَائِلُهُ إلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مَا قَرَّرْنَاهُ هُنَا ثُمَّ قَوِيَ لَمَّا قَتَلَ الْجَمَاعَةَ بِالْوَاحِدِ وَحَرَّرْنَا دَلِيلَهُ فِي حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ، وَفِي ذَيْلِنَا عَلَى الْأَبْحَاثِ الْمُسَدِّدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute