أعْزِزْ عَلى بِأنْ أرَاكَ وَقَدْ خَلتْ. . . مِنْ جَانِبَيْكَ مَقَاعِدُ العُوادِ
قال ابن سنان الخفاجى ينقده: " فإيراد - مقاعد - في هذا البيت صحيح.
إلا أنه موافق لما يُكره ذكره في مثل هذا الشأن. لا سيما وقد أضافه إلى من
يحتمل إضافته إليهم. وهم العُواد. ولو انفرد لكان الأمر فيه سهلاً.
فأما إضافته إلى ما ذكره ففيها قبح لا خفاء فيه ".
ونقد ابن سنان لهذه الكلمة وجيه لا أظن أحداً يخالفه فيه لأن المقام يقتضي
العدول عن مثل هذه الكلمة جرياً مع الذوق وصحة المعنى.
والأساس الذي بنى عليه الخفاجى نقده هو أن الكلمة يُشترط في فصاحتها -
عنده - ألا يسبق التعبير بها عن معنى يُكره ذكره.
وقد حكم بسلب الفصاحة عن كثير من الكلمات نزولاً على هذا الاعتبار.
وقد وردت هذه الكلمة - مقاعد - في القرآن الكريم عذبة رشيقة.
وذلك فى مواضع منها: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ) ،
وقوله: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) .
فالمقاعد - هنا - في الموضعين بمعنى المنازل، ولا يمكن أن يُفهم منهما المعنى
الذي من أجله كره النقاد استعمال هذه الكلمة. لأنها لم تضف إلى ما يمكن أن يُفهم من إضافتها إليه ذلك المعنى المستكره. .
وذلك سر الجمال في هذين الموضعين.
ومن ذلك - أيضاً - كلمة " تؤذى ". فقد عابوها في قول المتنبى:
تَلُذُّ لهُ المرُوءَةُ وَهِىَ تُؤْذِى. . . وَمَنْ يَعْشَقْ يَلُذُّ لهُ الغَرامُ