هذه ثلاث آيات اتحدت فواصلها فجاءت كلمة واحدة: (رَبِّ العَالمينَ)
ومع هذا التكرار في الفاصلة لم تحس في التعبير إلا جمالاً وجدة خرجَ معها
التكرار مخرج الجودة والحسن.
نعم. . الفاصلة متحدة لفظاً ومعنى في المواضع الثلاثة. ولكن ما قبل
الفاصلة مختلف من موضع إلى آخر.
ففى الآية الأولى جاءت: (رَبِّ العَالمينَ) بدلاً، أو صفة لاسم الجلالة.
وهى على كلا الاحتمالين مرفوعة الصدر.
وفي الموضع الثاني جاءت مجرورة علمِهما أيضاً، وكذلك في الموضع الثالث.
هذا من حيث ضبطها في اللفظ.
وأما من حيث تعلقها مع ما جاءت بدلاً منه أوصفة له. ففيه سر آسر.
فى الأولى: (فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ) .
وفي الثانية: (الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ) .
وفي الثالثة: (وَأُمْرِتُ أُنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ العَالمِينَ) .
والمتأمل يجد بين المواضع الثلاثة تسلسلاً مرتباً ترتيب المسبب على السبب
فالتبارك مستوجب للحمد ومَن تحقق له هذان الغرضان وشعر بعظمة الله
وفضائله وحمده عليها وجب أن يسلم له ويخضع لإرادته. وهذا التغاير فى
المعنى هو موطن السر في خفة روح التكرار فيه وخلابة أثره لفظاً ومعنى.
وهذه الجدة في المواضع الثلاثة وقفت أمام كثير من الأهواء الزائفة التي تتخذ
من صور التكرار في القرآن وجوهاً للطعن فيه. ونحن نعلم أن التكرار غير
المفصول بين مواضعه بفاصل طويل. يعد عيباً من عيوب القافية.
وقد سماه العروضيون " الإيطاء "، لكن هذا العيب لا مفهوم له هنا على رغم ما هو وجيه هناك. لأن التصرف في الشكل إذا تطلبه المعنى كان بعيداً عن كل نقد.