٢ - دقة النظم:
وهذه - أيضاً - خاصة من خصائص الأسلوب القرآني، يغلب فيها جانب
المعنى على جانب اللفظ.
ونضرب لذلك ثلاثة أمثلة. . .
أولاً - في تاريخ الأمم:
قال سبحانه: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ) .
فى هذه الآية نجد خمسة أسماء مسرودة سرداً إجماليا.
والشأن في مثلها ألا تكون موضعاً للجمال. ولا مجالاً للتصرف في القول. ولكنها في هذا الوضع تجد فيها نوعاً من الجمال التأليفى المبنى على قاعدة وقانون.
لأن هذه الأسماء الجوامد تتفاوت فيما بينها خفة وثقلاً. فأخفها على اللسان: الطوفان والجراد والدم، وأثقلها: القُمَّل والضفادع.
فقدم الطوفان لخفته، ولمكان المدين فيه، ليأنس اللسان بخفتها، ثم الجراد
لأنها تلى الطوفان في الخفة. وفيها مد كذلك.
فهما بمثابة ترويض للسان متدرجة في النطق، وبعدهما جاء بالاسمين الثقيلين
- القُمَّل والضفادع - بادئاً بأخفهما: " القُمل " اطراداً على السُّنَّة التي شرحناها، ولمكان الغنة فيه.
ثم جاء بالاسم الخامس: " الدم " وهو أقلها حروفاً، وأكثرها خفة ليسرع
اللسان بها بعد ذلك الجهد الطويل.
وما أشبه هذا برحلة طائر يبدأ سيره وئيداً وئيداً فإذا ما اقترب من بُغيته، قبض من جناحيه، وبطأ من سيره تأبياً للنزول.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute