للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن فقد راعى القرآن في هذا السرد الذي تكاد تنعدم فيه الروابط إلا رباط

العطف المجرد راعى فيه قاعدة فنية جمالية. بنيت على هيئات الكلم أنفسها

وأحوالها من حيث الخفة والثقل. وعلى هذا التناسق الذي كان مثار العجب.

قدم ما هو جدير بالتقديم. وأخر ما هو جدير بالتأخير.

ويمكن أن نفهم النص على وجه آخر، وعلى قانون آخر غير الذي تقدم الحديث فيه.

وهذا القانون هو ما سبق أن ذكرناه: " قطع النظير عن النظير ".

فقد سبق أن خرجنا عليه قوله تعالى: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (١١٩) .

حيث قطع الظمَأ عن الجوع وهما نظيران، والضحاء عن العِرى وهما نظيران كذلك. وقلنا: إن الداعي إلى هذا العمل هو تكثير النِعَم.

ويرى بعض الباحثين أن الآية تضمنت ضرورات الحياة

الأربع: الطعام، والكساء، والمسكن، والشراب.

وفي آيتنا هذه قطع للنظير عن النظير، فقد ذكر الطوفان أولاً.

وكان الظاهر يقتضي أن يذكر بعده الضفادع لأنه تعيش - غالباً - في الماء، ويكثر وجودها فيه، ثم الدم، لأنه كان يظهر - حسب ما اقتضه حكمة الله - في الماء.

لكنه خالف هذا الظاهر لأنه لئلا يتوهم متوهم تقليل الآيات بحسبان الطوفان

والضفادع والدم كالآية الواحدة.

ففصل بينها لهذا الغرض. ثم قدم الجراد على القُمل لظهوره أمام النظر أكثر ولأنه شيء خارجى عن الإنسان.

وأخر القُمل لاختفائه وعدم وقوع الرؤية عليه كثيراً.

* *

<<  <  ج: ص:  >  >>