للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآن أفتظن أن القرآن يهمل صاحب الدعوة - محمداً عقلي - وقد أجهد

نفسه في هداية هؤلاء.

لقد ذكر القرآن على سمعه هذه الآيات العظام التي يشاهدونها ولا يتأملونها

، يمرون عليها صباح مساء وهم عنها غافلون. إنه متابع باهتمام هذه النُّذُر،

وهذا التبشير واع لما ذكره الله من آيات وأعرض عنها القوم.

ألم يذكرهم بها فلم يهتدوا. ماذا بقى الآن؟

أيستخدم معهم أسلوباً آخر غير الكلمة والذكرى؟

أيترك هذه الذكرى التي لم يقدروها حق قدرها؟

لم يترك القرآن صاحب الرسالة في حيرة من أمره.

بل يقدم له التوجيه الرشيد فيلتفت إليه قائلاً: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) .

وهذا تثبيت لنفس النبي عليه السلام. حين يبيِّن له ربه أن سلطان الذكرى هو عنوان الرسالة، ولكن هناك خاطراً لم يزل في نفس الداعي الحريص على هداية الناس المخلص لهم في النصح.

. . . وهؤلاء يا رب. . . هؤلاء العتاة الذين لم يثمر فيهم نصح.

ولم يزعنوا لإصلاح. . وهنا يواصل القرآن إتمام الصورة:

(إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) .

ولكن كيف ذلك؟

(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦) .

وهنا يُسدل الستار. مرحلة بدأت ثم انتهت. وبين البدء والنهاية

صور ومشاهد تلتئم كلها برباط وثيق.

كل مشهد يسلم للذى وراءه. . وهكذا تتابع المناظر في إطار واقعى

أو إرشادى أو نفسي. إطار مهما كانت خيوطه فإنه من وحدة واحدة.

ذلك دأب القرآن في الربط بين المعاني في السورة الواحدة.

*

<<  <  ج: ص:  >  >>