أما التقديم فبداهة أنه ليس للتكريم. . بل لداع بياني أراه فيما يأتى:
فقد تصدر السورة هذه الآية: (هَلْ أتَاكَ حَديثُ الغَاشيَة) .
والغاشية هى القيامة بأهوالها الشداد أو هي النار المحرقة. كما نص على ذلك
المفسرون، وفي التنزيل ما يقوى كلاَ التفسيرين فقد جاء فيه:
(يَوْمَ يَغْشَاهُمُ العَذَابُ) ، وجاء فيه: َ (وَتغْشَى وُجُوهَهُمُ النارُ)
بَيْدَ أن إرادة القيامة هنا أولى للتقسيم الذي بعدها.
فإذا استقر ذلك فإن الأولى بالتقديم من الفريقين هو فريق النار لتتلاءم
الألفاظ، فالشدائد يناسبها خشوع الوجوه لا نعومتها. إرهاقها لا سرورها
ورضاها. أما ترك العطف بين القسمين فأرجح أن يكون لتغاير الفريقين تغايراً
تاماً في جميع الأحوال: كفر وإيمان، صلاح وفساد، ذل وإرهاق، وكرامة
وسرور، نار حامية وجنة عالية، عين آنية وعين جارية. . .
ولو عطف الفريق الثاني على الفريق الأولى لتوهم متوهم اشتراكهما في شيء
أى شيء من أجله صح العطف. ولدفع هذا التوهم ترك العطف في الظاهر، وإن بقى مقدَّراً منوياً كما يرى بعض العلماء.
ولما كان القرآن كتاب هداية وإرشاد. فإن منهج التريية الدينية والخُلقية فيه
يقتضي تقديم بعض النصح ليهتدي الضال بعد أن بانَ له ما أُعدَّ لأمثاله من
العذاب.
لذلك ناسب أن يلفت القرآن أنظارهم لفتاً قوياً إلى آيات القُدْرة التي تهدى
إلى الإيمان فجاء قوله تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) .
ذلك نصحه لمن ضَلَّ. .