فأنت ترى السموات والأرض والجبال - هنا - جماعة من الإناث العاقلات.
فهمن معنى العرض، وخطر الأمانة فطلبن من الله أن يعفيهن من حملها
وأشفقن منها، إنه لتمثيل رائع أن ترى الجمادات تخاطب فتعقل وتفكر فتتكلم.
وقد جرى المفسرون على تفسير قوله تعالى: (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا)
أي: أبَيْنَ الخيانة فيها وأشفقن من الخيانة. .
ويفسرون " الأمانة " بالطاعة أو التكاليف الشرعية.
ولماذا لا نجرى الإباء على حقيقته - كما سبق - ويكون المعنى: طلبن من
الله إعفاءهن من حملها.
وحملها الإنسان، على أن يراد بالأمانة ما يؤمَن عليه
الإنسان من مال وغيره. لا مطلق طاعة ولا عموم التكاليف.
وقال سبحانه: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) .
تكاد كتب التفسير تجمع على أن المراد من أمر السماء والأرض في هذه الآية
أنه أمر تكوين. أي قال لهما: كونا وتشكلا على الهيئة التي نشاهدهما عليها.
وفي تحليل معنى الأمر يقول الزمخشري: " إنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا
عليه، ووجدتا كما أمرهما، وكانتا في ذلك كالأمور الطيع إذا ورد عليه فعل
الأمر المطاع.
وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل. ويجوز أن يكون تخييلاً
ويُبنى الأمر فيه على أن الله تعالى كلم السماء والأرض وقال لهما: ائتيا
شئتما ذلك أو أبيتما. فقالتا: أتينا على الطوع لا على الكُره.
والغرض تصوير أثر قُدرته في المقدورات لا غير، من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب ".