للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأياً كان نوع المجاز تمثيلاً أم غيره فإن شاهدنا في الآية ظاهر، حيث أسند

إلى السماء والأرض، وهما جمادان، أحداثاً إنما هي من اختصاص العقلاء.

وقال سبحانه: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (٢٨) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) .

الآيات تتحدث عن قوم فرعون لما جاء الهلاك فهلكوا، تاركين وراءهم

ما كانوا فيه من نعمة وفضل.

أراد الله أن يبيِّن لنا حقارتهم، وأنهم غير مأسوف عليهم حين هلكوا

لعصيانهم وفسادهم. فقال: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) .

ففى نفى بكاء السماء والأرض عليهم تهكم بهم، لأن العرب كانوا إذا مات

لهم عظيم قالوا في تعظيم مهلكة: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس، وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب

الجزع والبكاء عليه.

والقرآن بلغتهم نزل. فجاء نافياً ذلك البكاء المخصوص

عنهم ليدل أنهم ليسوا كمن يعظم فقده.

ونقل الزمخشري عن الحسن: " فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون.

بل كانوا بهم مسرورين ".

وفسَّر هذا - أي الزمخشري - بقوله: " يعنى: فما بكى عليهم أهل

الأرض ".

وعلى ما ذكره فإن التعبير من قبل المجاز العقلي

الذي أسند فيه البكاء منفياً إلى ما ليس له.

والعلاقة المحلية.

أما القرينة فاستحالة أن يكون من السماء والأرض بكاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>