وتوجيه التعبير في الموضعين ميسور. لأنهما - وأن اتحدا في الغرض العام
- فبينهما فرق واضح هو مكمن السر في الذكِر والهدف.
فالآية الأولى تذكير من الله - مجرد تذكير - بما حدث لبني إسرائيل من
بطش فرعون وآله.
وفي الآية الثانية يعمد موسى - عليه السلام - إلى تذكير بنى اسرائيل بنعَم
الله. . ويعدد عليهم تلك النعَم. فلم يكتف بذكر الإنجاء. بل مهُد له من أَول الأمر للتذكير فناسب ذلك تَعداد النعَم.
والفصل بين آحادها. فكأنه جعل سومهم العذاب محنة مستقلة نجاهم الله منها، وعطف عليها غيرها.
لذلك جيء بالواو بين النوعين. ومعروف أن العطف بالواو يقتضي المغايرة. .
فلو ترك هذا العطف لصار السوم والتذبيح نوعاً واحداً. ويكون الثاني تفسيراً للأول. كما هو في الآية الأولى.
وإلى هذا المعنى أشار الزركشي في شيء من الإجمال.
ومثله كذلك قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢) .
فقد جاء " رابعهم " و " سادسهم ". بعد " ثلاثة " و " خمسة " بدون
واو. . . ثم خولف في " سبعة " هذا النسق. حيث عطف عليها " ثامنهم "
بالواو. والمواضع الثلاثة متماثلة.
فلا بدَّ من سر خفى اقتضى الحذف في الأولين.
والذكر في الثالث. . فما هو إذن ذلك السر؟