فنظرتهم إلى ركني الجملة الفعلية غير نظرتهم إلى ركني الجملة الاسمية -
كما رأينا - ولم أجد توجيهاً لأى أحد في سبب اختلاف النظرتين.
وإن كنت أرى أن الرابطة بين الركنين في الاسمية رابطة متكافئة.
فليس أحدهما فيها بأظهر من الآخر.
أما الرابطة بين الركنين في الفعلية فغير متكافئة. لأنها ملحوظة في الفاعل
بدرجة أقوى إذ هو موجد للفعل. فيكون في حذفه إجحاف بالمعنى فلم يترخصوا فيه.
وفي القرآن الكريم مواضع متعددة وكثيرة جدا لحذف المبتدأ. أو الخبر.
أو هما معاً. . وفي كل موضع حدث فيه حذف من هذا النوع فالحذف فيه سواء أكان واجباً - كما ترى الصناعة النحوية - أو جائزاً. .
فهو أحسن من الذكر.
خذ إليك - مثلاً - قوله تعالى في مطلع سورة البقرة:
(الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) .
فقد جاء فيه المبتدأ محذوفاً قبل قوله " هدى " والتقدير: " هو هدى ".
فلماذا الحذف؟
أرى أن سر الحذف - هنا - أمران:
أحدهما: الإشعار بالاتصال المباشر بين " الكتاب " و " هدى " بعد جملة
الاعتراض ولو ذكر فقيل: هو هدى. لزال هذا الاتصال؛ لأنه مع الذِكر يكون " هدى " خبراً عن ضميراً لكتاب.
ومع الحذف فإن أول ما يقع في الذهن أنه صفة مباشرة له.
وكم بين هذا الكتاب ويين الهدى من اتصال.
حتى أوثر إنه هو الهدى نفس الهدى. ولم يقل: " هادياً " مثلاً.