كما جاء التمييز محذوفاً في نفس السورة في قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) . والتقدير: ثلاثة فتيان أو أشخاص، والمعدود
معلوم الحقَيقة والجنس فلذلك سُوغَ حذف تمييزه.
ومثله قوله تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا) .
فقد نص المفسرون على أن التمييز محذوف تقديره: قطعة.
والذي دَلَّ على الحذف أن كُلا من " أسباطاً " و " أمماً " لا يجوز إعرابه تمييزاً لـ " اثنتى عشرة " لأمرين:
أولاً: أنهما جمع. وتمييز العدد المذكور لا يكون مفرداً منصوباً.
ثانياً: تأنيث جزئى العدد يدل على أن التمييز مؤنث. إذن فهو محذوف،
فإن كان في حذف التمييز ما يؤدى إلى لبس في المعنى وجب ذكره.
ومثاله من سورة الكهف أيضاً قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (٢٥) .
" وذلك لأن العدد المذكور لم يدخل في حساب أحد منهم.
وعلمه إنما إلى الله وحده فكان لا بدَّ من ذكره. وكذلك كان.
ثم انظر إلى عَجُز الآية حينما عطف القرآن قوله: (وَازْدَادُوا تِسْعًا)
كيف عاد إلى حذف التمييز عندما سهل تصوره.
فلم يذكر تمييز التسعَ. لماذا؟
لأنه قد عُلِمَ من العطف على ما عُلِمَ تمييزه نصاً.
فكان ذكره شبيهاً بالزيادة التي لم تدع إليها حاجة في البيان.
وهذا فن عظيم من فنون التصرف في القول لم تجده على كماله إلا في القرآن
الكريم لأنه تنزيل حكيم.