ونوجز فيما يأتي خلاصة منهجهم في الموضوعات الثلاثة الآتية:
أولاً - أسرار تقديم المسند إليه:
يُقدم المسند إليه لأغراض مختلفة، وكان الأقدمون - قبل عبد القاهر
الجرجاني - يرجعون تقديم المسند إليه إلى غرض واحد عام، هو الاهتمام
والعناية. ويفسرون بذلك كل تقديم وقد أشار إلى ذلك سيبويه.
ولم يرتض عبد القاهر هذا التفسير العام، لأن الاهتمام والعناية من الظواهر التي تحتاج إلى تعليل وكشف عن دواعيهما.
وبهذا فتح عبد القاهر المجال أمام النظر بهذا التنبيه، وقد تلمس هو نفسه
فى كتابه " الدلائل " أسبابًا أعمق، وأسراراً أدق.
وقد أسفرت البحوث بعده عن الأسرار الآتية التي يقدم من أجلها المقدم - المسند إليه - هنا.
١ - التقديم للعناية والاهتمام: أشار الخطيب إلى شرح كونه أهم، كما
يقول صاحب المطول. وقبله السكاكي. والطريقة فيه أنه يُقدم لكون ذكره
إما لأنه الأصل، ولا مقتضى للعدول عنه، فإذا وُجدَ مقتض لتقديم المسند
أهمل تقديم المسند إليه، كما إذا أريد قصر المسند إليه على المسند،
أو التشويق إلى المسند إليه وذلك يقتضي تأخيره إذا كان في المسند ما يثير هذا
التشويق. أو غير ذلك من الأسباب.
لأن التقديم للأصالة ضعيف يراعى إذا لم يعارض بسبب آخر أقوى منه.
٢ - وإما ليتمكن الخبر في ذهن السامع لأن في المبتدأ - كذلك - تشويقاً
إليه إما لغرابة صلته إن كان موصولاً، كقول أبى العلاء:
وَالَّذِي حَارَتِ البَرِيَّةُ فِيهِ. . . حَيوانٌ مُسْتَحدَث مِنْ جَمَادٍ