ولعل السر في هذه التفرقة أن السفن أضخم عادة من الموج والمراد بالجبل
مطلق الجنس، أما الأعلام فلا يراد بها إلا الجبال العظيمة، فلذلك جاءت كل كلمة في الموضع المناسب لها من حيث الوفاء بحق المعنى في دقة وإحكام.
وقد ينمى القرآن المعنى المراد من التشبيه بزيادات لا تخلو من دلالة مهمة
كقوله تعالى: (وإنْ يَسْتَغيثُواْ يُغَاثُواْ بمَاءٍ كَالمهْلِ) ، وإلى هنا يكمل المعنى. .
ثم يأخذ القرآن بعد ذلك في إضافة زيادات مهمة تزيد المعنى
الأصلي قوة وسلطاناً. فيقول: (يَشْوي الوُجُوهُ) ، ويقول: (بئْسَ
الشَّرابُ) ، ويقول: (وَسَاءت مُرْتَفَقاً) .
ومثله قوله تعالى: (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) .
فقد وصف " المهل " بأنه: " يغلى في البطون ".
ثم أخذ " الغلي " المفهوم من الفعل: " يغلي " وأدخله في تشبيه
آخر: " كغلي الحميم " فخطا بالمعنى نحو القوة خطوة لها شأنها من حيث
المقام. مقام التهديد والإنذار. . وغير ذلك كثير.
فأنت ترى - إذن - أن جملة التشبيه أو التمثيل في القرآن مرنة لها من
الحرية أن تدخل من المعاني الإضافية واستبدال لفظ مكان آخر أو أن تأتي فى
الفاصلة بما يقوى المعنى ويؤكده. في غير ما سرف ولا فضول.
سادساً - إن الأداة الغالبة في تشبيهات القرآن هي " الكاف " ثم " كأن "،
وغالباً ما تدخل الكاف على كلمة " مثل " فتشبه مثلا بمثل. وقَلَّ حذف الأداة فى تشبيهات القرآن على عكس ما يرى ابن الأثير في المثل السائر.
وقد تدخل " الكاف " على " ما " المصدرية.
وهي هنا تفيد التساوى بين الطرفين كما في قوله تعالى:
(آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ) .