جهة لفظه، أو من جهة معناه مثل سلكى الكهرباء السالب والموجب عندما
يتماسان ينطلق منهما الشعاع الذي يبدد طبقات الظلام وإن كان كثيفاً.
وإن أزيل اتصالهما فلا نحس لأى منهما أثرا.
فالمعنى بدون اللفظ جنين في ضمير الغيب. واللفظ بدون معنى لا يعتبر.
وهؤلاء على حق فيما ذهبوا إليه لأنهم يحلون تلك المشكلة التي رأيناها بين
الفريقين السابقين. ولأنهم يمثلون الواقع. . فهى نظرة معتدلة حرية بالاعتبار.
ومن أقدم النصوص في هذا المذهب صحيفة بشر بن المعتمر المعتزلى (المتوفى
عام ٢١٠ هـ) وقد ذكرها الجاحظ في " البيان والتبيين ". . . وفيها ينصح
بترك التوعر والتكلف " فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذى
يستهلك معانيك ويشين ألفاظك. . وَمن رام معنى كريماً فيلتمس له لفظاً كريماً.
فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهماً.
وفي موضع آخر يقول: " أن يكون لفظك رشيقاً عذباً وفخماً سهلاً، ويكون
معناك ظاهراً مكشوفاً وقريباً معروفاً "
والباحث يرى أنه في الموضعين يتحدث عن جمال اللفظ وجمال المعنى،
ويسوى بينهما ويمضى في الصحيفة مشرعاً للأدب. وناصحاً للأديب.
فهى - بحق - تشريع فريد في صناعة الأدب وبناء الأسلوب. لا فرق بين
الشكل أو المضمون وكان لهذا التوجيه أثره في تقعيد البلاغة العربية.
وممن يسوون بين اللفظ والمعنى ابن قتيبة. فخير الشعر - عنده - ما حسن
لفظه، وجاد معناه، فإذا قصر اللفظ عن المعنى، أو حلا اللفظ ولم يكن وراءه طائل كان الكلام معيباً.