ويسوق نموذجاً على ذلك هو قول الشاعر:
وَلمَّا قَضيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ. . . وَمسحَ بِالأركَانِ مَن هُوَ مَاسِحُ
وَشُدَّتْ عَلى هُدْبِ المهَارَى رِحَالُنَا. . . وَلمْ يَنْظرِ الغَادىِ الذِى هُوَ رَائحُ
أخَدنا بأطرَافِ الأحَاديثِ بِيْنَنَا. . . وَسَالتْ بِأعْنَاقِ المطِىِّ الأبَاطِحُ
ثم يقول: " وهذه الألفاظ أحسن شيء مطالع ومخارج ومقاطع. فإذا نظرتَ إلى ما تحتها وجدته: ولما قضينا أيام مِنًى واستلمنا الأركان وعالينا الإبل
الأنضاد ومضى الناس لا ينظر مَن غدا الرائح ابتدأنا في الحديث وسارت
المطىُّ في الأباطح ".
والشاعر البحترى يرى التسوية بين الألفاظ والمعاني فيقول:
حَجَجٌ تُخْرِسُ الألدَّ بِألفَا. . . ظٍ فَرَادَى كَالجَهَرِ المعْدُوِد
وَمَعانِ لوْ فَصًلتْهَا القَوافِى. . . هَجَّنَتْ شِعْرَ جْرَولٍ وَلبِيدِ
حُزْنَ مُسْتَعْمَل الكَلاَماخْتِيَاراً. . . وَتَجَنَّبْنَ ظلمة التَّعقيدِ
وركبْنَ اللفْظَ القَرِيبَ فأدْركنَ. . . بِهِ غَايةَ المرَادِ البَعِيدِ
وعبد القاهر الجرجانى ممن يسوون في صناعة الأدب بين اللفظ والمعنى. وإن
لم يصرح بذلك. لأنا نجده أحياناً يثنى على اللفظ دون المعنى، وأحياناً أخرى
يثنى على المعنى دون اللفظ، ولعله كان يقصد الرد على المتطرفين فلامَ كلا
الجانبين لنفى ذلك التطرف إلى جانب دون آخر وغرضه من ذلك إثبات التساوى بين العنصرين: الألفاظ والمعاني.