وقَطْية، وغير ذلك، وأُوذِيَ مرةً واختفى مدّةً من أجل سماعه لـ "تاريخ الخطيب"، وأُوذيَ نَوْبةً أخرى لقراءة شيء من كتاب "أفعال العباد" فيما يتأوّله الفضلاءُ المخالِفون، وحُبِس فصبر وكَظَم، وقضى أكثرَ عمره على الاقتصاد والقَناعة وقِلّة الدرهم، إلى أن تُوفِّي شيخنا ابن أبي الفتح فحَصَلَ له من جهاته حَلْقة الحضر والحديث بالناصريّة، فأضاء حالُه وفرحنا له، ثم وليَ دار الحديث سنة ثمان عشرة بعد ابن الشَّرِيشي ثم فيما بعد تَرَك الحلقة وأُخذت منه الناصرية، ثم نَزَل عن العِزِّية لصاحبه نجم الدين، وتكفَّى بما تبقَّى على قِلَّته بنسبة رُتْبته، وربما وُصِلَ بشيء متمِّم لأولاده، وباع كتابيَه بألفين ومئتين فأنفقها.
وأعلى ما عنده مُطلَقًا "الغَيْلانيات" وبإجازةٍ "جزء ابن عرفة" و "ابن الفُرات".
سمعتُ منه سنة أربع وتسعين وأخذتُ عنه "صحيح البخاري" وغير ذلك، واستَملَى منه قاضي القضاة أبو الحسن الحافظ، وسمع منه قاضي القضاة عز الدين الكِناني، والحافظ أبو الفتح اليَعمَري، ومحبُّ الدين وأولاده، والسَّرُوجي، وابن الدِّمْياطي، وابن عبد الهادي، وابنا السَّفاقُسي، وابن رافع، وسِبْط التَّنَسي، وخلائق، وتخرَّج به جماعة كالبِرْزالي، وابن الفخر، والعلائي، وابن كَثير، وابن العطّار، والجُمَّيزي، وابن الجَعبَري، وآخرين.
قرأتُ بخط أبي الفتح الحافظ قال: ووجدتُ بدمشق الإمام المقدَّم، والحافظ الذي فاق من تأخَّر من أقرانه وتقدَّم، أبا الحجَّاج المِزِّي بحر هذا العِلم الزاخر، القائل من رآه: كم تَرَك الأولُ للآخِر، أحفظ الناس