والدراسة المقارنة بين المذاهب، تساعدنا على التحرر من ربقة التقليد في الأصول والفروع الذي أخذ منا بالخناق، وتجعلنا نعرف يقينًا أن اللَّه لم يخص بالحق كله فقيهًا، أو مذهبًا واحدًا بعينه.
والدراسة المقارنة ترسم لنا لوحة أمينة صادقة لجهود العقل الإِنساني، ولتطور الفكر فيما يتصل بالتشريع والتقنين، ليتناسب مع ما يجد للناس من مشاكل الحياة اليومية العملية وأحوالها العديدة المختلفة.
والفقه الإِسلامي يعتبر ضربًا فريدًا بين التشريعات والقوانين التي عرفها العالم حتى الآن، سواء من ناحية الأسس التي قام عليها، والمقاصد والغايات التي استهدفها، والأحكام والحلول التي جاء بها على مر العصور.
وبما أنني مختص في دراسة الفقه المقارن، رأيت أن أحقق مخطوطًا فقهيًا، مقارنًا شاملًا لكل أبواب الفقه، فوقع اختياري على هذا المخطوط الجيد، الذي وجدت كثيرًا من كتّاب الفقه المقارن قد أخذ عنه واستفاد منه.
هذا وبما أنني اقتصرت في التحقيق على قسم العبادات فقط، لذا أقدم مقدمة بسيطة عن قسم العبادات، لأن هذا القسم هو الذي يُنظِّم علاقة الفرد بخالقه، ولأن الغرض الأساسي من وجود الإنسان، أن يعبد اللَّه ويخلفه وينصره، ويعمر أرضه، كما نبه اللَّه تعالى بآيات في مواضع مختلفة منها، قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات: ٥٦) وقوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(البقرة: ٣٠)، وقوله:{لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}(النور: ٥٥)، وقوله:{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد: