للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢٥)، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} (الصف: ١٤)، وقوله: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: ٦١) كلُّ ذلكَ إشارة إلى توليتهم أمورًا لم يستصلح لها إلّا الإِنسان، كما نبّه اللَّه تعالى بقوله للملائكة: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: ٣٠).

هذا ولما كان الإِنسان إنما يصير إنسانًا بالعقل، فلو تصورناه مجردًا عن العقل لخرج عن كونه إنسانًا، ولم يكن إذا تخطينا الشبح الماثل، إلَّا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة، والعقل لن يكمل، بل لا يكون عقلًا إلَّا بعد اهتدائه بالشرع، ولذلك نُفي العقل عن الكفار لما تعروا عن الهداية بالشرع، والاهتداء بالشرع هو عبادة اللَّه تعالى، فالإِنسان إذًا في الحقيقة هو الذي لعبد اللَّه، ومن أجل العبادة خُلق، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (الذاريات: ٥٦ - ٥٧)، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة: ٥)، فكل ما أوجد لفعل، فعند ما لم يوجد منه ذلك الفعل كان في حكم المعدوم، ولذلك كثيرًا ما يسلب عن الشيء اسمه إذا أوجد فعله ناقصًا، لقولهم: (فلان لا عين له أو لا أذن له) إذا بطل فعل عينه وأذنه، وإن كان شبحهما باقيًا، وعلى هذا قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} (البقرة: ١٧١)، فيمن لم ينتفع بهذه الأعضاء.

فالإِنسان يحصل له من الِإنسانية، بقدر ما يحصل له من العبادة التي لأجلها خلق - فمن قام بالعبادة حق القيام، فقد استكمل الإنسانية، ومن رفضها فقد انسلخ من الإِنسانية، فصار حيوانًا، أو دون الحيوان، كما قال سبحانه وتعالى في وصف الكفار: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (الفرقان: ٤٤)، وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، (الأنفال: ٢٢) فلم يرض اللَّه تعالى أن يجعلهم أنعامًا ودوابَّ حتى جعلهم أضلَّ منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>