هذا ولا خلاف في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن أداؤها إليه بغير ضرورة. وقد أمر اللَّه تعالى بذلك فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء ٥٨. وأمر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" سبق تخريجه. يعني عند طلبها، ولأنها حق لمالكها، لم يتعلق بها حق غيره، فلزم أداؤها إليه كالمغصوب والدين الحال، فإن امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت ضمنها، لأنه صار غاصبًا، لكونه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل محرم، فأشبه الغاصب، فأما إن طلبها في وقت لم يمكن دفعها إليه لبعدها أو لمخافة في طريقها، أو للعجز عن حملها، أو غير ذلك لم يكن متعديًا بترك تسليمها، لأن اللَّه تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وإن تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه، وإن قال: أمهلوني حتى أقضي صلاتي، أو آكل فإني جائع، أو أنام فإني ناعس أو ينهضم عني الطعام فإني ممتلىء، أمهل بقدر ذلك (المغني لابن قدامة ٦: ٤٤٥). (٢) فلا يبرأ إلا بإشهاد على ردها، لأنه حين أشهد عليه، لم يكتف بأمانته، ولا بد أن تكون البينة مقصودة للتوثق، وبذلك قيد غير واحد المدونة، أما إذا دفعها بمحضر شهود ولم يشهد عليها، فليس بشهادة حتى يقول: اشهدوا بأني استودعته كذا وكذا، والمراد بقوله حتى يقول اشهدوا: هذا بيان لمعنى قصد التوثق، وفي بعض التقارير: أن المراد بقصد التوثق أن يقصد بالإشهاد عليه عدم قبول دعواه الرد بمجردها، وكذا في بعض شراح العلامة خليل، وهو الظاهر. قلت: وعليه فظاهر المصنف وغيره أنه يكفي في كونها مقصودة للتوثق =