قال السرخسي: وزعم بعض أصحابنا رحمهم اللَّه، أن القياس يأبى ثبوت حق الشفعة، لأنه يتملك على المشتري ملكًا صحيحًا له بغير رضاه، وذلك لا يجوز، فإنه من نوع الأكل بالباطل. وتأيد هذا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه) ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه، وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره، ولكنا نقول: تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب. والأصح أن نقول: الشفعة أصل في الشرع، فلا يجوز أن يقال: إنه مستحسن من القياس بل هو ثابت، وقد دلت على ثبوته الأحاديث المشهورة عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن أصحابه رضوان اللَّه عليهم من ذلك: ما روى أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (الشفعة في كل شيء عقارًا وربع) السنن الكبرى للبيهقي ٦: ١٠٤، ومن ذلك ما بدأ محمد ابن الحسن الكتاب به. ورواه عن المسور بن مخرمة عن رافع بن خديج، أن سعد بن مالك رضي اللَّه عنه عرض بيتًا له على جار له فقال: خذه بأربعمائة، أما أني قد أعطيت به ثمانمائة ولكني أعطيكه بأربعمائة، لأني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: الجار أحق بسقبه/ سنن أبي داود ٢: ٢٥٦، وفيه دليل: على أن من أراد بيع ملكه، فإنه ينبغي له أن يعرضه على جاره لمراعاة حق المجاورة قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ولأنه أقرب إلى حسن العشرة، والتحرز عن الخصومة والمنازعة فلهذا فعله سعد رضي اللَّه عنه، وحط عنه نصف الثمن لتحقيق هذا المعني. وقيل: لإتمام الإحسان، وأن تمام الإحسان، أن يحط الشطر، لما روي =