للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به، وأداء الحق فيه، ولذلك جعل اللَّه فيه أجرًا مع الخطأ، وأسقط عنه حكم الخطأ، ولأن فيه أمرًا بالمعروف، ونصرة المظلوم، وأداء الحق إلى مستحقه، وردًا للظالم عن ظلمه، وإصلاحًا بين الناس، وتخليصًا لبعضهم من بعض، وذلك من أبواب القرب، ولذلك تولاه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والأنبياء قبله، فكانوا يحكمون لأممهم، وبعث عليًا كرم اللَّه وجهه إلى اليمن قاضيًا، وبعث عبد اللَّه بن مسعود إِلى الكوفة قاضيًا، ولأن الظلم في الطباع، فلا بد من حاكم ينصف المظلوم من الظالم.
وقد روى عن ابن مسعود أنه قال: لأن أجلس قاضيًا بين اثنين أحب إلي من عبادة سبعين سنة.
وعن عقبة بن عامر قال: جاء خصمان يختصمان إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (أقض بينهما) قلت: أنت أولى بذلك، قال: (وإن كان) قلت: علام أقضي؟ قال: (أقض، فإن أصبت فلك عشرة أجور، وإن أخطأت فلك أجر واحد) رواه سعيد في سننه، ورواه أيضًا ابن عدي وابن عساكر كما في منتخب كنز العمال جـ ٢: ١٩٤.
وفيه خطر عظيم، ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه، ولذلك كان السلف رحمة اللَّه عليهم يمتنعون منه أشد الامتناع، ويخشون على أنفسهم خطره.
قال خاقان بن عبد اللَّه: أريد أبو قلابة على قضاء البصرة، فهرب إلى اليمامة، فأريد على قضائها، فهرب إلى الشام، فأريد على قضائها وقيل: ليس هاهنا غيرك، قال: فأنزلوا الأمر على ما قلتم، فإنما مثلي مثل سابح وقع في البحر، فسبح يومه فانطلق، ثم سبح اليوم الثاني فمض أيضًا، فلما كان اليوم الثالث، فترت يداه، وكان يقال: أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة.
ولعظم خطره قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من جعل قاضيًا فقد ذبح بغير سكين).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقيل في هذا الحديث أنه لم يخرج مخرج الذم للقضاء، وإنما وصفه بالمشقة، فكان من وليه قد حمل على مشقه لمشقه الذبح/ المغني لابن قدامة ١٠: ٣٢ - ٣٣، والمبسوط للسرخسي ١٦: ٥٩ - ٦٠، والمهذب للشيرازي ٢: ٢٩٠ وبدائع الصنائع ٦: ٢ - / ونيل الأوطار ٨: ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>