وقد روى عن ابن مسعود أنه قال: لأن أجلس قاضيًا بين اثنين أحب إلي من عبادة سبعين سنة. وعن عقبة بن عامر قال: جاء خصمان يختصمان إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (أقض بينهما) قلت: أنت أولى بذلك، قال: (وإن كان) قلت: علام أقضي؟ قال: (أقض، فإن أصبت فلك عشرة أجور، وإن أخطأت فلك أجر واحد) رواه سعيد في سننه، ورواه أيضًا ابن عدي وابن عساكر كما في منتخب كنز العمال جـ ٢: ١٩٤. وفيه خطر عظيم، ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه، ولذلك كان السلف رحمة اللَّه عليهم يمتنعون منه أشد الامتناع، ويخشون على أنفسهم خطره. قال خاقان بن عبد اللَّه: أريد أبو قلابة على قضاء البصرة، فهرب إلى اليمامة، فأريد على قضائها، فهرب إلى الشام، فأريد على قضائها وقيل: ليس هاهنا غيرك، قال: فأنزلوا الأمر على ما قلتم، فإنما مثلي مثل سابح وقع في البحر، فسبح يومه فانطلق، ثم سبح اليوم الثاني فمض أيضًا، فلما كان اليوم الثالث، فترت يداه، وكان يقال: أعلم الناس بالقضاء أشدهم له كراهة. ولعظم خطره قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من جعل قاضيًا فقد ذبح بغير سكين). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقيل في هذا الحديث أنه لم يخرج مخرج الذم للقضاء، وإنما وصفه بالمشقة، فكان من وليه قد حمل على مشقه لمشقه الذبح/ المغني لابن قدامة ١٠: ٣٢ - ٣٣، والمبسوط للسرخسي ١٦: ٥٩ - ٦٠، والمهذب للشيرازي ٢: ٢٩٠ وبدائع الصنائع ٦: ٢ - / ونيل الأوطار ٨: ٢٦٩.