للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَثَّل له في الكتاب بقول الشاعر (١):

أشاب الصغيرَ وأفنى الكبيـ ... ـر كَرُّ الغَداة ومَرُّ العَشي (٢)

فإنَّ مفردات هذا النوع من المجاز كلها مستعملة في موضوعاتها، وإنما التجوز في إسناد بعضها إلى بعض، وذلك حكم عقلي، ألا ترى أن "أشاب" و"الصغيرَ" مستعملان في موضوعيهما، وكذلك: "أفنى" و"الكبير"، لكن إسناد "أشاب" و"أفنى" إلى "كر الغداة ومر العشي" هو الذي وقع فيه التجوز؛ لكونهما مسندَيْن إلى الله تعالى في نفس الأمر. ومثْلُه: أنبت الربيعُ البقلَ. والضابط فيه: أنك متى نَسَبْتَ إلى ما ليس بمنسوب إليه لذاته (٣)، بضَرْبٍ من الملاحظة بين الإسنادين (٤) - كان ذلك مجازًا في التركيب. وخرج بهذا القيد الأخير (٥) قولُ الدهري: أنبت الربيعُ البقلَ؛ إذ ذاك (٦) ليس عنده لضرب من الملابسة، بل هو أصليٌّ عنده،


= ما في معناه إلى غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر لِعَلاقة. انظر: حسن الصياغة شرح دروس البلاغة للفاداني ص ١٣١، جواهر البلاغة للهاشمي ص ٢٩٦، مختصر المعاني للتفتازاني ص ٣٦.
(١) قائل هذا البيت هو قُثَم بن خَبيئَةَ الصَّلَتان العبدي. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة ص ٥٠١ - ٥٠٢.
(٢) فالفعلان: أشاب وأفنى - أُسْنِدا إلى غير ما هو له: وهو كرُّ الغداة ومرُّ العشي، وهما سبب، والذي أشاب وأفنى في الحقيقة هو الله تعالى.
(٣) أي: ما ليس بفاعل حقيقي.
(٤) أي: بعلاقة بين الإسناد إلى الفاعل الحقيقي، والإسناد إلى الفاعل المجازي.
(٥) وهو قوله: بضربٍ من الملاحظة بين الإسنادَيْن.
(٦) في (ص)، و (غ)، و (ك): "إذ ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>