للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفظه، ألا تراه يَعمل المَسْطَرة والورق على قَطْع الكبير، أحدَ عشَر سطرًا، وما ذلك إلا لأنه يكتب من رأس القلم، ويُريد أن ينظر ما يُلْحِقُه، فلذلك يعمل المَسْطَرة مُتَّسِعةً، ويترك بياضًا كثيرًا.

قلت: وكنت أراه يكتب متن "المنهاج"، ثم يفكر، ثم يكتب، وربما كتب المتن، ثم نظر الكتب، ثم وضعها من يده، وانصرف إلى مكانٍ آخر، وجلس ففكَّر ساعة، ثم كتب.

وكثير من مصنَّفاته اللِّطاف كتبها في دُرُوج ورق المُراسَلات، يأخذ الأوصال ويُثنيها طُولًا، ويجعل منها كراسًا ويكتب فيه؛ لأنه ربما لم يكن عنده ورقُ كراريس، فيكتب فيها من رأس القلم، وما ذلك إلا في مكانٍ ليس عنده فيه كتب ولا ورقُ النسخ.

وأما البحث والتحقيق وحُسْنُ المناظرة - فقد كان أستاذَ زمانه، وفارسَ ميدانه، ولا يختلف اثنان في أنه البحر الذي لا يُسَاجَل في ذلك، كلُّ ذلك وهو في عَشْر الثمانين، وذِهنُه في غاية الاتقاد، واستحضاره في غاية الازدياد.

ولما شَغَرت مشيخةُ دار الحديث الأشرفيَّة، بوفاة الحافظ المِزِّي - عَيَّن هو الذهبي لها، فوقع السَّعْيُ فيها للشيخ شمس الدين بن النقيب (١)، وتُكُلِّم في حق الذهبي: بأنه ليس بأشعريّ، وأن المِزِّيَّ ما وَلِيَها


(١) هو الإمام محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الدمشقي القاضي شمس الدين بن النقيب الشافعي. ولد سنة ٦٦١ أو ٦٦٢ هـ. كان من أصحاب الإمام النووي - رضي الله عنه -، وكان من قضاة العدل وبقايا السلف. من مصنفاته: مقدمة في التفسير، عمدة السالك وعدة الناسك. توفي بدمشق سنة ٧٤٥ هـ. انظر: الدرر ٣/ ٣٩٨، الطبقات الكبرى ٩/ ٣٠٧، الأعلام ٦/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>