للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومُخَرِّجه، إلى أن بُهِت الحاضرون، لعلمهم أن الشيخ الإمام مِن سنين كثيرةٍ لا ينظر الأجزاءَ ولا أسماءَ الرجال، ولقد قال الذهبي:

وما عَلَّمَتْنِي غيرَ ما القلبُ عالِمُهْ (١)

والله كنتُ أعلم أنه فوق ذلك، ولكن ما خَطَر لي أنه مع التَّرك والاشتغال بالقضاء يَحْضُر من غير تهيئةٍ، ويُسْنِد هذا الإسناد. انتهى.

وبالجملة: كان مع صحة الذهن واتِّقاده - عظيمَ الحافظة، لا يكاد يسمع شيئًا إلا حَفِظه، ولا يحفظ شيئًا فينساه، وإن طال بُعْدُه عن تذكُّره، جُمِعت له الحافظة البالغة، والفهمُ الغريب، فما كان إلا نُدْرَةً في الناس، وَوَحقِّ الحقِّ لو لم أشاهدْه، وحُكِي لي أنَّ واحدًا من العلماء احتوى على مثل هذه العلوم، وبلغ أقصى غاياتها، نقلًا وتحقيقًا، مع صحة الذهن، وجودة المناظرة، وقوة المغالبة، وحُسْنِ التصنيف، وطولِ الباع في الاستحضار، واستواءِ العلوم بأسرها في نَظَره - أحسَبُه وَهْمًا.

وأقول: كيف تَفِي القُوَى البشرية بذلك، ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء:

وليس على الله بمُسْتنكرٍ ... أنْ يَجْمع العالَمَ في واحدِ"

قال الإمام السيوطي رحمه الله: "وقال ابنه في "الترشيح": قال


(١) البيت للمتنبي من قصيدته التي يمتدح بها سيف الدولة، وهو بتمامه:
وما اسْتَغْرَبَتْ عيني فِراقًا رأيتُهُ ... ولا عَلَّمَتْنِي غيرَ ما القلبُ عالِمهْ
انظر: ديوانه ٣/ ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>