للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: ما يدل عليه مادة {يُطَاعُ} والغالب في الشفاعة استعمال لفظ القبول والنفع وما أشبههما، أما الطاعة فإنما تقال في الأمر (١)، فكان ذكرها ههنا (٢) لنكتة بديعة: وهي أنه لما ذكر الظالمين، وشأنُ الظالمين في الدنيا القوة، والمتكلَّم لهم بمنزلة مَنْ يأمر فيطاع - نفى عنهم ذلك في الآخرة تبكيتًا وحسرة، فإن النفس إذا ذُكّرت ما كانت عليه وزال عنها وخوطبت به - كان أشد عليها (٣).

الرابعة: أنه إشارة إلى هولِ ذلك اليوم العصيب، وأن شدته بلغت مبلغًا لا ينفع فيه إلا شفيع له قوة ورتبة أن يطاع لو وجد وهو لا يوجد. وهذه قريبة من التي قبلها إلا أنها بحسب الحاضر، وتلك بحسب الماضي (٤).


(١) يعني: الطاعة تستعمل عند صدور الأمر من الآمر، أما الشفيع فلا يأمر بالطاعة بل يترجى ويتعطف.
(٢) في (ك): "هنا".
(٣) فالظالمون حالهم الأمر والنهي، والطاعة لهم، وها هم يوم القيامة مسلوبي القوة مطلقًا، فلا هم يطاعون، بل وليس لهم شفيع يطاع من أجلهم، فذِكْر عدم طاعة الشفيع من أجلهم تذكيرٌ بحالهم في الدنيا وما كانوا عليه من القوة والأمر والنهي.
(٤) أي: ذكر لفظ {يُطَاعُ} له فوائد ومنها فائدتان: الأولى: وهي تذكير الظالمين بما كانوا عليه في الدنيا من طاعة الخلق لهم، وأمرهم ونهيهم، فها هم اليوم لا أمر ولا نهي، ولا يطاع شفيعهم لو وجد. وهذه هي الفائدة التي سبق ذكرها، وهي بحسب الماضي أي: ماضي هؤلاء في الدنيا. والثانية: وهي بحسب الحاضر الذي يخاطبون فيه - وهو يوم القيامة - أنه لا ينفع في ذلك اليوم العصيب إلا شفيع يطاع، أي: له قوة ورتبة حتى يطاع، وهذا لا يوجد يوم القيامة إذ تتلاشى فيه كل القوى، فلا قوة إلا قوة الجبار، ولا مُلْك إلا مُلْك العزيز القهار، فلا أمر ولا نهي ولا طاعة إلا لملك الملوك. . وهذا غاية في تصوير عظمة الجبار، وذلة وضعف الخلائق كلها أمام القهار، وأن هؤلاء الظالمين ليس لهم قوة يلجؤون إليها, ولا جهة يلوذون بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>