للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرافي: "بعيدٌ من جهة أن النحاة نَصُّوا على أن "لا" لنفي المستقبل، واستعمالها بمعنى "لم" قليل مجازٌ (١)، فيجتمع المجاز في الفعل المضارع وفي "لا" أيضًا (٢)، فكان الأحسن في الجواب أن يقال: لا نسلم التكرار، بل قال بعض العلماء: إن قوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} إخبار عن الواقع منهم، أي: عدم المعصية دائمًا. وقوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} إخبار عن سجياتهم التي طُبعوا عليها، يعني: أن سجيتهم الطاعة (٣)، فيكون أحدهما خبرًا عن الواقع منهم، والآخر خبر (٤) عن السجية التي فطروا عليها فلا تكرار، والفعل المضارع قد كثر استعماله في الحالة المستمرة (٥)، كقولهم: زيدٌ يُعْطِي ويَمْنع، ويَصِل ويقطع. وقول خديجة رضي الله عنها للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتُعين على نوائب الدهر" (٦). أي: ذلك شأنك في كل وقت. وهو مجاز واحد


(١) نحو قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أي: لم يصدق. انظر: نفائس الأصول ٣/ ١٢٤٠.
(٢) أي: يجتمع على هذا التقدير مجازان: محاز إطلاق المضارع وإرادة الماضي، ومجاز إطلاق "لا" على نفي الماضي، وهي في الأصل لنفي المستقبل.
(٣) فهم يُلهمون الطاعة والتسبيح كما يُلهم أحدنا النَّفَس.
(٤) هكذا في النسخ، والصواب: "خبرًا".
(٥) أي: المستمرة في الماضي والحال والاستقبال.
(٦) أخرجه البخاري ١/ ٥٠٤، في كتاب الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم ٣. وخَرَّجه في مواضع أخرى مختصرًا ومطولًا. انظر الأرقام الآتية: ٣٢١٢، ٤٦٧٠، ٤٦٧٢ - ٤٦٧٤، ٦٥٨١. وأخرجه مسلم ١/ ١٣٩ - ١٤٢، في كتاب الإيمان, باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم الحديث ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>