للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول تلميذه صلاح الدين الصفدي رحمه الله: "وأما الأخلاق فقَلَّ أنْ رأيتُها في غيره مجموعة، أو وُجِد في أكياس الناس دينارٌ على سِكَّتها المطبوعة: فَمٌ بَسَّام، ووجه بين الجمال والجلال قَسَّام، وخُلْقٌ كأنه نَفَس السَّحَر على الزَّهَر نَسَّام.

وكَفٌّ تخجَلُ الغُيُوث مِنْ ساجِمِها (١)، وتَشْهد البرامكة (٢) أن نَفَس حاتِمٍ في نقش خاتِمِها.

وحِلْمٌ لا يستقيم معه الأحنف (٣)، ولا يُرى المأمونُ (٤) معه إلا


(١) الساجِم: السائل، مِنْ سَجَم العينُ والدمعُ الماءَ يسجم سجومًا وسجامًا إذا سال وانسجم. انظر: اللسان ١٢/ ٢٨١، مادة (سجم). والمعنى: أن الأمطار تخجل من سيل هذا الكف وصَبِّه بكل خيرٍ مدرار، وعطاءٍ جمٍّ مغزار، فالضمير في "ساجمها" يعود إلى الكف.
(٢) هم أسرة فارسية كان لها شأن في عهود أبي جعفر والمهدي والرشيد العباسيين، وهم أهل كرم وجود. انظر: سير أعلام النبلاء ٩/ ٥٩.
(٣) هو الضحاك بن قيس بن معاوية بن حُصَيْن، الأمير الكبير، والعالم النبيل، أبو بحر التميمي، أحد مَنْ يُضرب بحلمه وسؤدده المثل. كان من المخضرمين، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووفد على عمر - رضي الله عنه -. توفي رحمه الله سنة ٦٧ هـ في إمرة مصعب بن الزبير على العراق. انظر: طبقات ابن سعد ٧/ ٩٣، سير ٤/ ٨٦.
(٤) هو الخليفة أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي العباسي. ولد سنة ١٧٠ هـ، وقرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم وبالغ، ودعا إلى القول بخلق القرآن وبالغ، وكان من رجال بني العباس حزمًا وعزمًا ورأيًا وعقلًا وهيبة وحلمًا، ومحاسنه كثيرة في الجملة، وكان يُعَدُّ من كبار العلماء مع تشيع فيه. وكان يقول: لو عرف الناس حبي للعفو لتقربوا إليَّ بالجرائم، وأخاف أن لا أُوجر فيه. توفي سنة ٢١٨ هـ. انظر: تاريخ بغداد ١٠/ ١٨٣، سير ١٠/ ٢٧٢، شذرات ٢/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>