للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خائنًا عند مَنْ رَوَى أو صَنَّف، ولا يُوجد له فيه نظيرٌ ولا في غرائب أبي مِخْنَف (١)، ولا يُحْمَل عليه حِمْلٌ فإنه جاء فيه بالكيل المُكْنَف (٢).

لم أره انتقم لنفسه مع القدرة، ولا شَمَت بعدوٍّ هُزِم بعد النُّصْرة، بل يعفو ويَصْفَح عمن أجرم، ويتألم لمَنْ أوقَد الدهر نارَ حربه وأَضْرَم، ورعايةُ وُد لصاحبه الذي قَدُم عهدُه، وتذكُّرٌ لمحاسنه التي كاد يمحوها بُعْدُه، وطهارة لسان لم يُسْمَع منه في غِيبةٍ بنتُ شَفَة، ولا تَسِفُّ (٣) طُيورُ الملائكة منه على سَفَه.


(١) هو لوط بن يحيى بن مِخْنَف بن سليمان الكوفي، صاحب تصانيف وتواريخ. قال يحيى بن معين: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال الدارقطني: أخباري ضعيف. من مصنفاته: كتاب الردة، وكتاب فتوح الشام، وفتوح العراق، وكتاب الجمل، وصفين، والنهروان، وغيرها كثير. توفي سنة ١٥٧ هـ. انظر سير ٧/ ٣٠١، معجم الأدباء ١٧/ ٤١.
(٢) أي: الممتلئ؛ لأن المكنف معناه: المحاط به مِنْ جوانبه، منْ قولهم: اكتنفته أنا وصاحبي، أي: أحطنا به مِنْ جانِبَيْه. انظر: لسان العرب ٩/ ٣٠٨، مادة (كنف)، والإحاطة في الكيل لا تكون إلا بامتلائه، والمعنى: أنه لا مزيد على حلمه، فقد استوفى خلق الحلم رحمه الله، كما أن الكيل الممتلئ لا يمكن الحمل عليه زيادةً على ما فيه. ولا شك أن المراد بهذا المبالغة في وصفه، لا حقيقة هذا القول؛ لأن الأولياء - رضي الله عنهم - لا يبلغون أقل من عشر المعشار من أخلاق الأنبياء وصفاتهم صلوات الله وسلامه عليهم، لكن القصد هو بيان الدرجة العالية التي وصل فيها هذا الإمام في خلق الحلم، جعلنا الله من أهل هذا الخلق، فهو والله الخلقُ الذي إذا حصل للمرء فقد تمت سعادته، وكملت أخلاقه ومروءته، وكفى على ذلك دلالةً بشارةُ المولى تعالى لخليله بابن حليم: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [سورة الصافات: ١٠١].
(٣) أي: لا تدنوا. وفي اللسان ٩/ ١٥٣ - ١٥٤: "وأَسَفَّ الطائرُ والسحابةُ وغيرهما: دنا من الأرض. . . أسَفَّ الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه. . .".

<<  <  ج: ص:  >  >>