للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أمرٍ مقارِن، كالبيع وقت النداء - فلا).

هذه المسألة في أن النهي عن الشيء (١) هل يدل على فساده؟ وقد


(١) أي: النهي عن الشيء لعينه. وكان الأولى بالشارح رحمه الله تعالى أن يُقَيِّد بهذا، وأن يفصِّل مواطن الخلاف كما فعل في "رفع الحاجب"؛ إذ إطلاقه هذا يُحدث تشويشًا لدى القارئ، لا سيما وأنه ذَكَر في القول الرابع والخامس ما يوهم أن كل قائل بالفساد هنا قائل به في كل الأقسام وهو باطل قطعًا، ولذلك أدرك الزركشيُّ رحمه الله تعالى موطن الخلل في حكاية الأقوال بالإطلاق من غير تفصيل، كما فعل الشارح هنا وغيرُه، فقال بعد أن قَسَّم النهي إلى ما يكون لغير المنهي عنه، وإلى ما يكون لعين المنهيِّ عنه، والأول يشمل قسمين: وهو ما كان النهي فيه لوصف ملازم، أو لوصف مجاور، ثم ذكر الخلاف في قسم المنهي عنه لغيره، وأردفه بذكر الخلاف في قسم المنهي عنه لعينه، وحكى الأقوال الثلاثة الأُول - التي ذكرها الشارح هنا - في هذا القسم الثاني، ثم قال: "واعلم أن هذا التقسيم الذي ذكرناه هو أقرب الطرق في المسألة، ومنهم مَنْ جمع بين القسمين، أعني: المنهي عنه لعينه ولغيره وحكوا مذاهب". البحر المحيط ٣/ ٣٨٧. ثم ذكر القول الرابع والخامس اللذين ذكرهما الشارح هنا، وكان حقهما أن يُذكرا تحت قسم المنهي عنه لغيره. ولعل الزركشي - رحمه الله تعالى - عَنَى بمَنْ جمع بين القِسْمين الشارحَ ومَنْ فعل مِثْله ممن أطلق الخلاف ولم يفصله كالشيرازي، وابن برهان، وغيرهما. انظر: شرح اللمع ١/ ٢٩٧، الوصول إلى الأصول ١/ ١٨٦، وانظر: تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد، للحافظ العلائي ص ٢٨٥ - ٣١٠، فقد أشبع المسألة إيضاحًا، وبيَّن خطأ من أطلق الخلاف فيها دون تقييد.
والحاصل أن الأقوال الثلاثة الأُول التي ذكرها الشارح هنا تخص المنهي عنه لعينه، ويدل عليه أنه ذكر أن القول الأول هو قول جمهور المذاهب الثلاثة والظاهرية، وفاته ذكر الحنابلة. ومن المعلوم أن الظاهرية والحنابلة إنما يوافقون الجمهور من المذاهب الثلاثة في المنهي عنه لعينه، أما المنهي عنه لوصفه الملازم أو المجاور فالظاهرية والحنابلة يقولون باقتضاء النهي الفساد فيهما، فدل هذا على أن مراده في النقل عن هؤلاء إنما هو في المنهي عنه لعينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>