للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} (١)، ونظائرهما - مما لا شك في إفادته العموم، وليس فيه "مِنْ" ولا لفظ مختصٌّ بالنفي. وأيضًا فإن النكرة تدل على الماهية، ولا دلالة لها على قيد الوحدة (٢) وإنْ كانت محتمِلةً له، والأصل عدمه، فدخول النفي عليها ينفي معناها بطريق الأصالة وهو مطلق الماهية (٣)، ويلزم منه العموم. وأما احتمال قيد الوحدة فهو سائغ (٤) ولكنه خلاف الأصل والظاهر، فلا يُجْعَل هو الأصل في الدلالة ولا مساويًا لما هو الأصل. وإذا تُؤمِّل كلامُ العرب حصل القطع بذلك، ولم يثبت في هذه المسألة خلافٌ. ومَنِ ادعى فيها خلافًا يحتاج إلى بيانٍ وَرَدٍّ؛ لما قلناه.

ومع كون "مِنْ" هذه تفيد نصيةَ العموم، أو تأكيدَه، هي محتملة لأَنْ تكون للتبعيض، أو لابتداء الغاية. وقال ابن مالك: إن في كلام سيبويه إشارةً إلى أنها للتبعيض. وهو كما قال؛ لأن سيبويه قال بعد تمثيله بـ "ما أتاني من رجل": أُدخلت "مِنْ" لأن هذا موضعَ تبعيضٍ، فأراد أنه لم يأت بعض الرجال (٥).

وقال شيخنا أبو حيان: إن هذا غير مرضي من ابن مالك؛ لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظ العموم للتبعيض، وإنما المقصودُ بزيادة "مِنْ" في (٦)


(١) سورة سبأ: الآية ٣.
(٢) أي: لا دلالة لها على فردٍ واحد معين.
(٣) فالمقصود بنفي النكرة هو نفي الماهية، وإنْ كان نَفْيُ الوَحْدةِ مُحْتَملًا لكن نفيه خلاف الأصل؛ لأن الأصلَ هو نفي الماهية.
(٤) في (ت)، و (ص)، و (ك): "شائع". والمعنى: أنه مشتهر بذلك.
(٥) انظر: كتاب سيبويه ٤/ ٢٢٥.
(٦) سقطت من (ت).

<<  <  ج: ص:  >  >>