(٢) المعنى: أن البيضاوي رحمه الله تعالى عَبَّر عن هذا المذهب: بأنه يجوز تخصيص العام ما بقي من أفراده عدد غير محصور. ففسَّر الكثرة: بالعدد غير المحصور. وعَبَّر عنه ابن الحاجب رحمه الله تعالى: بأن يكون الباقي بعد التخصيص جمعًا يقرب من مدلول العام قبل التخصيص. ففسَّر الكثرة: بالقرب من مدلول العام قبل التخصيص. وهل هناك فرقٌ بين التفسيرين؟ ظاهر كلام الشارح رحمه الله تعالى وجود فرق، وقد بيَّن البناني رحمه الله تعالى في حاشيته على المحلي (٢/ ٤) الفرق بينهما فقال: "مدلول العام قد يكون متناولًا لأنواعٍ، كلٌّ منها لا يتناهى، وخُصَّ منه إلى أن بقي نوع واحد، كما لو كان العام لفظ "المعلومات" مما في السماء والأرض وما بينهما. . . وخُصَّ إلى أن بقي نوع واحد من تلك الأنواع، كنوع "الإنسان". . .، فيصدق حينئذ تفسير البيضاوي لا تفسير ابن الحاجب؛ إذ النوع الباقي غير محصور، وليس قريبًا من المدلول. ولو كان المدلول في الواقع مائةً، وخُصَّ إلى أن بقي تسعون مثلًا - صدق تفسير ابن الحاجب لا تفسير البيضاوي؛ إذ الباقي قريب من المدلول وهو محصور. ولو كان المدلول في الواقع مائة حلف، فخص إلى أن بقي ثمانون ألفًا - صدقا جميعًا؛ إذ الباقي قريب من المدلول، وهو غير محصور، وقضية ذلك أن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه. اهـ مع بعض التصرف. وذهب جلال الدين المحلي رحمه الله تعالى إلى أن القولين (أي: التفسيرين) متقاربان، أي: حاصلهما شيء واحد، فالقريب من المدلول هو أن يكون غير محصور. انظر: شرح المحلي مع حاشية البناني ٢/ ٣، ٤. والذي يظهر لي أن تفسير ابن الحاجب رحمه الله تعالى أدق؛ إذ العام تارة يكون كثيرًا غير محصور، وتارة يكون كثيرًا محصورًا، والقرب من المدلول شامل لكليهما. والله أعلم.