للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"شيخنا وأستاذنا أبو حيان، شيخُ النحاة العَلَم الفَرْد، والبحرُ الذي لم يَعْرِف الجزرَ بل المدّ، سِيبَوَيْه الزمان، والمبرِّدُ إذا حَمَى الوطيس بتشاجر الأقران. وإمامُ النحو الذي لقاصده منه ما يشاء، ولسانُ العرب الذي لكل سمعٍ لديه الإصغاء. كعبةُ عِلْمٍ تُحَجُّ ولا تَحُجّ، ويُقصد مِن كل فَجّ. تَضْرِبُ إليه الإبلُ آباطها، وتَفِد عليه كلُّ طائفةٍ، سفرًا لا يعرف إلا نمارِقُ البيد بساطَها" (١).

إلى أن قال: "سمع عليه الجمُّ الغفير، وأخذ عنه غالبُ مَشْيختِنا وأقرانِنا، منهم الشيخ الإمام الوالد، وناهيك بها لأبي حَيَّان منقبةً، وكان يُعظمه كثيرًا، وتصانيفه مشحونةٌ بالنقل عنه. ولما توجَّهنا مِنْ دمشقَ إلى القاهرةَ، في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، ثم أمرنا السلطان بالعود إلى الشام؛ لانقضاء ما كنا توجهنا لأجله - استمهله الوالدُ أيامًا لأجلي، فمكث حتى أكملتُ على أبي حيان ما كنت أقرؤه عليه، وقال: با بُنَيَّ هو غنيمةٌ، ولعلك لا تَجِدُه في سفرةٍ أخرى. وكان كذلك" (٢).

ومن الطريف أن أبا حيان - رحمه الله - امتدح التاج وهو ابن ثلاث سنين فقال:


(١) انظر: الطبقات الكبرى ٩/ ٢٧٦.
(٢) انظر: الطبقات ٩/ ٢٧٨. قلت: تأمل - رحمك الله - إلى مدى حرص الأب على عدم فوات هذه الفرصة العلمية الثمينة على ابنه، ثم تأمل نبوغ هذا الفتى الذى يستفيد من أبي حيان - رحمه الله - دقائق النحو وهو في سن الرابعة عشرة من عمره؛ لتعلم حقًا كيف الرجال تُبنى، بل كيف الأمة تُحيا، وراية الدين تُبْقى، وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم تُعْلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>