وأجيب: بأنه يجب حمل الأحدث على غير صورة النزاع، جمعًا بين الدليلين. والله أعلم.
ولا يخفى عليك أن الخاص المتأخر إنما يكون مخصِّصًا للعام المتقدم إذا ورد وَقْتَ العمل بالعام أو قبله، أما إذا ورد بعده - فكذلك عند مَنْ يُجَوِّز
= الناس. وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وأخرجه مسلم ٢/ ٧٨٤ - ٧٨٥، في كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان، رقم ١١١٣، ولفظه: "وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَّبِعون الأحدثَ فالأحدثَ من أمره". وفي رواية أخرى روى مسلم هذه المقولة عن الزهري: "قال الزهري: وكان الفطرُ آخِرَ الأمرين، وإنما يؤخذ من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالآخِرِ فالآخِر". وفي رواية أخرى: "قال ابن شهاب: فكانوا يتبعون الأحدثَ فالأحدثَ مِنْ أمره، ويرونه الناسِخَ المُحْكَم". وروى مسلم عن سفيان - رضي الله عنه - قال: "لا أدري مِنْ قول مَنْ هو؟ يعني: وكان يؤخذ بالآخِرِ مِنْ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وأخرج البخاري ٢/ ٦٨٦، في الصوم، باب إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر، رقم ١٨٤٢، حديث ابن عباس رضي الله عنهما من غير هذه الزيادة الأخيرة. ولذلك قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح ٤/ ١٨١: قال الزهري: "وإنما يُؤخذ بالآخِرِ فالآخِرِ مِنْ أمره - صلى الله عليه وسلم -". وهذه الزيادة التي في آخره مِنْ قول الزهري، وقعت مُدْرَجَةً عند مسلم من طريق الليث عن الزهري، ولفظه: "حتى بلغ الكديد أفطر، قال: وكان صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره. وأخرجه من طريق سفيان عن الزهري قال مثله. قال سفيان: لا أدرى مِنْ قول مَن هو؟ ثم أخرجه من طريق مَعْمر ومن طريق يونس كلاهما عن الزهري، وبَيَّنَا أنه من قول الزهري، وبذلك جزم البخاري في الجهاد، وظاهره أن الزهري ذهب إلى أن الصوم في السفر منسوخ، ولم يُوافق على ذلك، كما سيأتي قريبًا. اهـ. وانظر: المصنف لعبد الرزاق ٤/ ٢٦٩، رقم الحديث ٧٧٦٢، شرح الزرقاني على الموطأ ٢/ ١٦٧.