اعلم أنَّ المدرسين وإنْ تباينت مراتبهم في العلم، وتفاوتت منازلهم في الفهم - أصنافٌ ثلاثة لا رابع لهم:
الأول: مَنْ إذا دَرَّس آية اقتصر على ما فيها من المنقول، فحكى أقوال المفسِّرين بسبب النزول والمناسبة، ووجوه الإعراب، ومعاني الحروف، ونحو ذلك. وهذا لا حظَّ له عند المحققين، ولا نصيب له بين فرسان الكلام.
والثاني: مَنْ يأخذ في وجوه الاستنباط منها، ويَسْتَعمل فكره بمقدار ما آتاه الله من الفهم، ولا يشتغل بأقوال السابقين، وتصرفات الماضين، علمًا منه أنَّ ذلك أمرٌ موجود في بطون الأوراق ولا معنى لإعادته.
والثالث: مَنْ يرى الجمع بين الأمرَيْن، والتحلي بالوصفَيْن، ولا يخفى أنه أرفع الأوصاف. . . . .
وأنا إن شاء الله تعالى أستخرج من هذه الآية - دون ما قبلها وما بعدها - من فنون الفوائد في أنواع العلوم ما يزيد على مائة وعشرين فائدة في أصول الدين، وأصول الفقه، والحديث، والتفسير، واللغة، والنحو، والتصريف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، والجدل، والتصوف، والمغازي، والسِّيَر، والفراسة، والطب.
وشرطي في ذلك على نفسي: أن لا أذكر شيئًا أَعْلَمُ أني سُبقت إليه، ولا أتعدى الآية إلى غيرها، ولا أشتغل بتقرير ما أَسْتنبطه منها إلا بتقرير وجه الاستنباط منها، فإذا قلتُ مثلًا:"دَلَّت على كيت وكيت" لم أنتقل