للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فإنْ صح أن أبا هريرة كان يفصل بين كلب الزرع وغيره - يكون ذلك جمعًا بين اختلاف الروايات، فمَنْ روى عنه السبع يكون كلامه في غير كلب الزرع، ومَنْ روى الثلاث يكون مراده بكلب الزرع.

واحتج مَنْ جعل مذهب الراوي مخصِّصًا: بأنه إنما خالف لدليلٍ؛ لأنه لو خالف لا لدليل لَفُسِّق، فلا تُقبل روايته، وإذا كانت مخالفته مستندة إلى دليل - تحتم اتباعه.

والجواب: أنه ربما خالف لشيء ظَنَّ في نفسه - بما أداه إليه نظرُه - كونَه دليلًا، ولم يكن كذلك في نفس الأمر، فلا يلزم القدح في روايته؛ لأنه لم يقدم إلا على حسب تأدية اجتهاده، ولا الاتباع؛ لعدم صحة المظنون (١). بل ولو احتمل: أن ما ظنه حقٌّ في نفس الأمر (٢) - فليس لنا الانقياد له بمجرد التقليد ما لم يتضح لنا وجه الحق في ذلك. والغرض: أن الذي يتضح لنا خلافُ ما عَمِله؛ لقيام الدليل الذي رواه مُعَارِضًا بحقٍّ لِمَا رآه.


= رواية مَنْ روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر. أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الأسانيد. وأما المخالفة فمِنْ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير".
(١) قوله: "ولا الاتباع" عطف على قوله: "فلا يلزم القدح". والمعنى: أنه كما لا يلزم القدح؛ لكونه مجتهدًا، لا يلزمنا اتباعه في اجتهاده؛ لكون اجتهاده مظنونًا، وهو غير صحيح؛ إذ هو مخالف للرواية.
(٢) سقطت من (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>