للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}، فإنه مُبَيِّن لقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (١). وهذا المثال جارٍ على المشهور من (٢) أن البقرة المأمور بذبحها كانت معيَّنة في نفس الأمر (٣)، وقد حُكِي عن ابن عباس - رضي الله عنه - خلاف ذلك، وأنه قال:


(١) سورة البقرة: الآية ٦٧.
(٢) سقطت من (غ).
(٣) نسب الإمام في "التفسير الكبير" (٣/ ١٢٢ - ١٢٣) هذا القول إلى منكري العموم، وإلى مَنْ يُجَوِّز تأخير البيان عن وقت الخطاب. هكذا قال رحمه الله تعالى، والأقرب أن هذه المسألة من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يجوز؛ لأن الوقت الذي أُمروا فيه بذبح البقرة كانوا محتاجين إلى ذبحها، فلو كان المأمور به ذبح بقرة معينة، مع أن الله تعالى ما بينها - لكان ذلك تأخيرًا للبيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز. وقد ذكر الجصاص من الحنفية أن تكليفهم بعد كل سؤال نسخ للتكليف السابق، وهذا ماشٍ على طريقة الحنفية في التقييد، وهو أن تقييد المطلق بمتأخر نسخ، كتخصيص العام بمتأخر. أما على طريقة الجمهور فليس هناك نسخ بل هو تقييد للمطلق. والحاصل أن الجمهور - كما يشير إليه كلام المفسرين - على أن المأمور به ذبح أي بقرة، ولكنهم لما لم يمتثلوا، بل تعنتوا وتشددوا - عوقبوا بجنس فعلهم؛ ولذلك قال ابن جرير رحمه الله تعالى (٢/ ٢٠٩): "وقد زعم بعض مَنْ عظمت جهالته، واشتدت حيرته: أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أَمْر الله إياهم بذبح بقرة من البقر؛ لأنهم ظنوا أنهم أُمروا بذبح بقرة بعينها خُصَّت بذلك، كما خُصَّت عصا موسى في معناها، فسألوه أن يجليها لهم ليعرفوها". فقول الشارح رحمه الله تعالى: وهذا المثال جارٍ على المشهور. . . إلخ، لعله يقصد به المشهور عند الأصوليين أو نحوهم.
وانظر: جامع أحكام القرآن ١/ ٤٤٨، فتح القدير ١/ ٩٧ - ٩٩، التفسير الكبير ٣/ ١٢٣ - ١٢٤، تفسير ابن كثير ١/ ١١٠، تفسير النسفي ١/ ٥٤ - ٥٥، أحكام القرآن للجصاص ١/ ٣٤، أصول السرخسي ٢/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>