للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشك في أن عمر رضوان الله عليه إنما نطق بالصواب، ولكنا نتهم فهمنا (١).


= بل أراد أنها منسوخة التلاوة لا الحكم. وينبغي على هذا التأويلِ تأويلُ وَضْع عمر لهذه الآية في المصحف: بوَضْعها في حاشية الصفحة من سورة النور مثلًا، لا أنه يضعها بين الآيات في أصل الصفحة، ويشير إلى هذا قول عمر رضي الله عنه: "لكتبتها"، ولم يقل: "لزدتها"، والفرق بينهما واضح، لكنه رضي الله عنه خشي أن تُفهم كتابته زيادة في المصحف، لا سيما وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحاشون كتابة أيِّ شيء في المصحف غيره، بل لم يكن منقوطًا ولا مُحَزَّبًا، ولذلك عدل رضي الله عنه عن كتابة هذه الآية المنسوخة التلاوة في المصحف؛ حتى لا يقع الناس في اللبس، ويقع الاتهام له رضي الله عنه. وتأمل قولَه رضي الله عنه: "إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم" يعني: إياكم أن تنسوها وتتركوا حكمها؛ لكونها منسوخة التلاوة. ثم تأمل أيضًا قوله في آخر كلامه: "فإنا قد قرأناها" بالفعل الماضي لا المضارع، وهو يفيد بأن قراءتها على أنها آية متلوة من القرآن في الوقت الحاضر غير حاصل. ثم بعد أن كتبتُ هذا التعليق بقرابة عام تقريبًا وقفتُ على جواب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى، يوافق المعنى الذي ذكرتُه فالحمد لله تعالى على توفيقه ومَنِّه، وقد ذكر هذا الجواب العلامة البناني في حاشيته على شرح المحلي لجمع الجوامع (٢/ ٧٧) قال: "استُشْكِل: بأنه إن جاز كتابتُها فهي قرآن، فيجب مبادرة عمر رضي الله عنه لكتابتها؛ لأَن قول الناس بمجرده لا يصلح مانعًا مِنْ فعل الواجب. وأجيب: بأن المراد: لكتبتُها منبهًا على أن تلاوتها قد نُسخت؛ ليكَون في كتابتها الأمن من نسيانها، لكن قد تُكتب بلا تنبيه في بعض المصاحف غفلةً من الناسخ، فيقول الناس: زاد في كتاب الله، فترك كتابتها بالكلية؛ دفعًا لأعظم المفسدتين بأخفهما. شيخ الإسلام".
(١) انظر إلى الأدب مع الأئمة رضي الله عنهم، وحَمْل كلامهم على المحامل الحسنة اللائقة بهم، وإن لم يظهر المعنى ويتضح. وقارن هذا مع مَنْ يتعسف في الفهم والتأويل، ولا يقبل إلا فهمه وتأويله، وأما تأويلات الآخرين وفهومُهم مِنْ مخالفيه - فهي تحريف وتبديل. والحق ما رأه فلان، والباطل ما خالفه، والواجب على =

<<  <  ج: ص:  >  >>