للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلافه؛ لأن الأفعال لا عموم لها (١). ولو فُرِض مع الفعل الأول قولٌ مقتضٍ لوجوب تَكراره - فالفعل الثاني قد يكون ناسخًا أو مخصِّصًا، لكن لذلك القول لا للفعل؛ فالتعارض بين الفعلين ممتنع، بل إما أن يقع بين قولين، أو قول وفعل. ومحل الكلام في الأول كتاب التعادل والتراجيح. وأما الثاني فَذَكره هنا، وله أحوال؛ لأنه إما أن يكون القول متقدمًا، أو متأخرًا، أو يُجهل الحال.

قوله: "قولًا متقدمًا"، هذا هو الحال الأول: وجملة القول فيه أنه


(١) القول بعدم تعارض الفعلين هو الذي جزم به القاضي أبو بكر، وغيره من الأصوليين على اختلاف طبقاتهم. كذا قال الزركشي - رحمه الله - في البحر ٦/ ٤٣، وليعلم أن محل الخلاف إنما هو في الأفعال المجردة المطلقة التي سبق ذكر الخلاف فيها. قال القاضي - رحمه الله - في التلخيص ٢/ ٢٥٢ - ٢٥٣: "فأما الأفعال المطلقة التي لم تقع موقع البيان من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي التي نتوقف فيها فلا يتحقق فيها تعارض. . . وأما الأفعال الواقعة موقع البيان (أي: بيان المجمل) فإذا اختلف، واقتضى كُلُّ فعلٍ بيانَ حكمٍ يخالف ما يقتضيه الفعلُ الآخر، وتنافيا على الوجه الذي صَوَّرنا في القولين - فالتعارض في موجب الفعلين كالتعارض في مقتضى القولين". والمعنى: أن الفعل المتأخِّر ينسخ الفعل المتقدم إذا كانا ورادين لبيان مجمل، ولم يمكن الجمع بينهما. مثاله: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فآخِر الفعلين ينسخ الأول، كآخر القولين، والتعارض بين الفعلين حينذاك صوري وهو راجع إلى المبيَّنات من الأقوال، لا إلى بيانها من الأفعال. ومثل هذا أيضًا الفعل الذي يدل دليل خاص على أن المراد به دوامه وتكراره في المستقبل في حقه - صلى الله عليه وسلم - وحق الأمة، فإن الفعل الذي يقع بعده مخالفًا له يكون ناسخًا له؛ لأن الفعل الأول مُنَزَّل منزلة القول، والنسخ في الحقيقة يكون لذلك الدليل الذي دلَّ على الدوام. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن التعارض يقع بين الفعلين المجردين، وذلك بسبب الأدلة العامة الدالة على اقتداء الأمة بفعله - صلى الله عليه وسلم - مطلقًا، أو وجوبًا، أو ندبًا على اختلاف الأحوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>