الوجه الخامس: سلمنا دلالة الآية على وجوب اتباع سبيل المؤمنين لكن لا في كل شيء؛ لأن المؤمنين إذا اتفقوا على فِعْل شيء من المباحات، فلو وجب اتباع سبيلهم في كل الأمور - لزم التناقض؛ لأنه يجب عليهم فِعْلُه من حيث إنهم فعلوه، ولا يجب لحُكْمهم بعدم وجوبه، وإذا لم يكن اتباعهم واجبًا في كل شيء فإنما يجب في السبيل الذي صاروا به مؤمنين، ويدل عليه أن القائل إذا قال: اتبع سبيل الصالحين - (فُهِم منه الأمرُ باتباعهم فيما صاروا به صالحين)(١).
وجوابه: أنها تدل على اتباعهم في كل شيء؛ لجواز الاستثناء كما عرفت. وقولك: يلزم اتباعهم في فعل المباحات. قلنا: هَبْ أنَّ هذه صورةٌ خُصَّت لِمَا ذكرتَ من الضرورة، فتبقى حجةً فيما عداها، ويلزم مِنْ قولك إنما يجب اتباعهم فيما صاروا به مؤمنين أن تكون مخالفةُ سبيلِ المؤمنين هي المشاقة، فإنه لا معنى لمشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يُترك الإيمان، فلو حُمِل على ما ذكرتَ لزم التكرار.
الوجه السادس: سلمنا حَظْر اتباع غير سبيلهم لكن لا نسلم وجوبَ اتباع سبيلهم، وقولكم لا واسطة بينهما غير مسلم، فبينهما واسطة وهي ترك الاتباع أصلًا، فلا يَتَّبع لا سبيلَ غيرهم ولا سبيلَهم.
والجواب: أن ترك الاتباع أيضًا مطلقًا اتباعٌ لغير سبيلهم؛ لأن سبيلَهم الأخذُ بمقالتهم، وتَرْكُ الأخذِ غيرُ سبيلهم، فثبت حرمةُ متابعةِ غيرِ سبيل المؤمنين، ويلزم منه وجوبُ المتابعة وهو المدعى.