ثم إن القائلين بالجواز دون الوقوع افترقوا من جهات ثلاث: الأولى: أن الأكثر وقع بدلالة السمع فقط، والقفال من الشافعية، وأبو الحسين البصري من المعتزلة على أنه وقع بدلالة السمع والعقل. الثانية: أن الأكثر على أن دلالة السمع عليه قطعية، وأبو الحسين ظنية. الثالثة: بعضهم أن التعبد بالقياس وقع مطلقًا من غير تخصيص ببعض الصور أو بعض الحالات أو استثناء بعضها، وبعضهم على أنه وقع في بعض الصور والأحوال. صورتين فقط، وقد حصل اضطراب في النقل عنهما في تعيين هاتين الصورتين. وابن عبدان من الشافعية قال: وقع في حال الاضطرار إليه فقط. وأبو حنيفة أنه وقع في الأسباب والشروط والموانع والكفارات والرخص والتقديرات. والجبائي والكرخي قالا: وقع إلا في أصول العبادات. وبعضهم قال: وقع إلا في الأمور العادية والخلقية. وقوم إلا في النفي الأصلي، وبعضهم إلا القياس الجزئي الحاجي، وآخرون إلا القياس على المنسوخ، وبعضهم إلا في كل الأحكام. والقائلون بالجواز دون الوقوع افترقوا فرقتين: فرقة: ذهبت إلى عدم الوقوع لوجود الدليل على الوقوع. وفرقة: لم تقنع بذلك، بل ذهبت إلى عدم الوقوع لوجود الدليل على ذلك من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، وإجماع العترة. والقائلون بالامتناع عقلا افترقوا فرقتين: فمنهم من ذهب إلى أنه ممتنع في شريعتنا، ومنهم من ذهب إلى أنه ممتنع في سائر الشرائع، وهؤلاء افترقوا ثلاث فرق؛ فمنهم من ذهب إلى أنه ممتنع؛ لأنّ القياس لا يفيد علمًا، ولا ظنًا. ومنهم من ذهب إلى أنه ممتنع؛ لأنّ القياس يفيد الظن والظن قد يخطئ ويصيب، ومنهم من ذهب إلى أنه ممتنع؛ لأنّ القياس وإن أفاد الظن والظن قد يعتد به إلا أن الرجوع إليه رجوع إلى أضعف الدليلين مع وجود أقواهما. =