للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غير تعرض لحكم المستثنى بنفي أو إثبات، فمثلًا إذا قلنا: ما قام القوم إلا زيدًا؛ لم يكن استثناء زيدٍ إلا إخراجًا له من الحكم عليه بنفي القيام، وليس في الاستثناء إثبات للقيام ولا نفيه، بل هو مسكوت عنه يمكن أن يكون قائمًا ويمكن أن لا يكون قائمًا، فحكم القيام لزيد مسكوتٌ عنه لم يتعرَّض له، بل المُتّعرَّض له هو إخراج زيدٍ من الحكم عليه بالنفي.

ومع أن الراجح عند التاج هو مذهب الجمهور إلا أنه استدل لمذهب الحنفية بدليل من عنده لم يقولوه والظاهر أنه لم يسبق إليه، يقول رحمه الله: "قلت: وقد وقع لي في بعض المجالس الاستدلال على صحة مذهب أبي حنيفة بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (١)، وجه الحجة: أنه لو كان الاستثناء من النفي إثباتًا لكان المرء مكلفًا بكل ما تسعه نفسه؛ لأن الوُسْع مستثنى في قوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا} وقد أضيف بقوله: {وُسْعَهَا} فيقتضي العموم بناءً على أن المفرد المضاف يعم والتقدير: لا يكلف الله نفسًا إلا بكل ما تسعه، فيكون كل ما تسعه مكلفة به، وليس كذلك. وكان البحث بين يدي والدي أيده الله، فاستحسن ذلك" (٢).

وفي مسألة العدد الذي يشترط لحصول التواتر في الخبر: ذكر التاج قول من يقول بأن التواتر يحصل بعدد أهل بدر، ثم تعرض لبيان عدد أهل بدر فنقل قولَ مَنْ يقول بأنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، ثم قال: "ولعل الناظر في كتب المحدثين يجد أنهم كانوا ثلاثمائة رجل وخمسة


(١) سورة البقرة: الآية ٢٨٦.
(٢) ينظر: ص ١٤٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>