للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ إنّا نقول لهم بعد ذلك: إن عنيتم ما يستحسنه المجتهد بعقله ورَأْيِ نفسه من غير دليل، وذلك هو ظاهر لفظة الاستحسان، الذي حكاه بشر المريسي والشافعي عن أبي حنيفة رحمه الله وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي هو الصحيح عنه (١)، فهذا - لعمر الله - اقتحام عظيم وقول في الشريعة بمجرد التشهي وتفويض الأحكام إلى عقول ذوي الآراء ومخالفة لقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (٢). ولكن أصحابه ينكرون هذا التفسير.

وإن عنيتم جواز استعمال لفظ الاستحسان فأنّى ينكر ذلك والله تعالى يقول: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (٣) والكتاب والسنّة مشحونان بذلك والقوم لا يعنون بالاستحسان ذلك فلا نسهب في الإمعان فيه.

فإن قلت: قد وقع في كلام الشافعي - رضي الله عنه -:

أستحسن في المتعة أن تكون ثلاثين درهما (٤).

وأستحسن أنْ تثبت الشفعة للشفيع إلى ثلاثة أيام (٥).


(١) ينظر: شرح اللمع للشيرازي: ٢/ ٩٦٩.
(٢) سورة الشورى من الآية ١٠.
(٣) سورة الزمر من الآية: ١٨.
(٤) ينظر الأم: ٥/ ٦٢، و ٧/ ٢٣٧, ٢٣٨، ومختصر المزني بهامش الأم: ٤/ ٣٨، ويراجع السنن الكبرى: ٧/ ٢٥١ وما بعدها، وفي أحكام القرآن: ١/ ١٩٩ - ٢٠٣.
(٥) ينظر: الأم: ٣/ ٢٣١ - ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>