للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضبط معاقد المصالح ودرء مواقع (١) المفاسد إلى غير ذلك.

وهذا ليس داخلًا في مفهوم شيء مما تقدم؛ لتحقق الفتيا بمجرد الإخبار عن الله تعالى، والحكم بالتصدي لفصل الخصومات دون السياسة العامة لا سيما الحاكم الضعيف الذي لا قدرة له على التنفيذ إذا أنشأ الحكم على الملوك الجبابرة فهو إنما ينشئ الإلزام على ذلك الملك ولا يخطر بباله السعي في تنفيذه لتعذر ذلك عليه فظهر أنّ الحاكم من حيث هو حاكم ليس له إلا الإنشاء، وأمّا قوة التنفيذ فأمر زائد على كونه حاكمًا فصارت السلطة (٢) العامة التي هي حقيقة الإمامة مباينة للحكم من حيث كونه حكمًا وأما الرسالة فليس يدخل فيها إلا التبليغ عن الله تعالى ولا يستلزم هذا تفويض السياسة العامة إليه (٣)، فكم بعث الله من رسول لم يطلب منه غير التبليغ لإقامة الحجة من غير أنْ يأمره بالنظر في المصالح العامة.

وبوضوح الفرق بين الرسالة والإمامة يظهر بينها وبين النبوة؛ إذ النبوة خاصة بالموحى إليه لا تعلق لها بالغير.

فإن قلت: فهل لهذه الحقائق المفترقة آثار في الشريعة؟ .

قلت: نعم فإنّ كلّ ما فعله - صلى الله عليه وسلم - بطريق الإمامة من إقامة الحدود وترتيب الجيوش وغير ذلك لم يجز لأحدٍ أنْ يفعله إلا بإذن


(١) في (غ)، (ت): معاقد المفاسد.
(٢) في (غ): سلطنة.
(٣) في (غ): إليكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>