للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلتَ: دعوى قيامِ الإجماعِ على إفتاءِ المستفتين صحيحة، ولكن من أين لكم أنّ المستفتين لم يسألوا عن بيان المأخذ؟

قلت: لم ينقل ذلك ولا لَامَ أحدٌ العوام على تركِهم السؤالَ عن وجهِ دلالةِ الدليلِ، ويعلم قطعًا أنّهم كانوا لا يذكرون الدليل عند الإفتاء مع علمهم بجهل المستفتى به (١).

والثاني: أنّ وجوب ذلك عليهم يؤدي إلى تفويت معايشهم واستضرارهم بالاشتغال بأسبابه، وذلك مؤذن باختلال نظام العالم وفساد الأحوال (٢).

فإن قلت: هذا يقتضي أنْ لا يجب النظر في أصول الدين، وأن يجوز فيه التقليد؛ لأنا نعلم أنّ الصحابة والتابعين ما كانوا يلومون من لم يتعلم علم الكلام، بل ربما لاموا المشتغل به مع أنَّه يلزم منه تعطيل أمور المعايش؛ لأنَّ غموض أدلة الأصول أكثر.

قلت: إنْ سلمنا عدمَ جوازِ التقليدِ فيه، فالفرقُ أنَّ مطالبه معدودة محصورة لا تتكرر، وأكثر أدلتها قواطع تحمل الطبع السليم على الإذعان لها، بخلاف الأحكام الفرعية، فإنّها غير متناهية، وأكثر


(١) ينظر: المصادر نفسها.
(٢) ينظر: المعتمد: ٣/ ٩٣٤ - ٩٣٦، والتلخيص للجويني: ٣/ ٤٦٢، والتبصرة: ص ٤١٤، والمستصفى للغزالي: ٢/ ٣٨٩، والمحصول للرازي: ج ٢/ ق ٣/ ١٠٢، والإحكام للآمدي: ٤/ ٣٠٨، ونهاية الوصول للصفي الهندي: ٨/ ٣٨٩٥، ونهاية السول مع حاشية المطيعي: ٤/ ٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>