للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصحابي (١)، والفرق شَرَف الصحبة، وعِظَم رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أنّ رؤية الصالحين لها أثر عظيم، فكيف رؤية سيد الصالحين! فإذا رآه مسلمٌ ولو لحظةً انطبع قلبهُ على الاستقامة؛ لأنَّه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابلَ ذلك النورَ العظيم أشْرَق عليه، وظهر أثره في قلبه وعلى جوارحه.

وقوله: "خَيْرِ صَحْبٍ وآل" صحيح؛ لأنه ليس في أصحاب الأنبياء مثل أصحاب نبينا - صلى الله عليه وسلم -. ولأجل السجع قَدَّم الصَّحْب على الآل في الثاني، وجاء على أحد طريقي العرب، وهي (٢) رَدُّ الأول على الثاني، والثاني على الأول (٣)، ولولا هذا لقال خير آل وصحب، فَرَدَّ الأول للأول


(١) هذا هو مذهب الخطيب رحمه الله تعالى، فإنه يشترط أنْ يَصْحَب التابعيُّ الصحابيَّ، واشترط بعض العلماء مع اللقاء الرواية عن الصحابي، وإن لم يَصْحَبْه، والأكثرون على خلاف ذلك، فإنهم يكتفون باللقاء، ولذا قال العراقيُّ في "ألفيته":
والتابِعُ اللاقي لمن قَدْ صَحِبا ... وللخطيب حَدُّه أن يَصْحَبَا
قال السخاوي في شرحه في تعريف التابعي: هو (اللاقي لمن قد صحبا) النبي - صلى الله عليه وسلم -، واحدًا فأكثر، سواء كانت الرؤية من الصحابي نفسه، حيث كان التابعيُّ أعمى أو بالعكس، أو كانا جميعًا كذلك؛ لصدق أنهما تلاقيا، وساء كان مميِّزًا أم لا، سمع منه أم لا. انظر: فتح المغيث: ٤/ ١٤٥، وما بعده.
(٢) هذا على لغة أهل الحجاز في تأنيث الطريق، ولغة أهل نجد تذكيره، وبه جاء القرآن في قوله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا}. انظر: المصباح: ٢/ ١٨.
(٣) ويُسمى في علم البديع: الطيَّ والنَّشر، وهو إما أن يكون النشر على ترتيب الطي، كقوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، فقد جمع بين الليل والنهار، ثم ذكر السكونَ لليل، وابتغاءَ الرزق للنهار على الترتيب. وإما أن يكون النَّشْر على خلاف ترتيب الطَيِّ، كقول الماتن، وكقوله =

<<  <  ج: ص:  >  >>