للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبما ذكرناه (١) يندفع قولُ مَنْ قال: إنَّ الأحكام العقلية شرعية، باعتبار أنَّ الله تعالى خلقها، وأنها تحت قضائه وقدره.

وقد وقفتُ على شرحٍ لهذا الكتاب (٢) فيه أنَّ قولَه: "الشرعية" احتراز عن الأحكام العقلية، وتنبيه على أنَّ الحق: أنَّ الأحكام بحسب الشرع لا بحسب العقل، كما هو مذهب المعتزلة (٣).

واعلم أنَّ المعتزلة لا يُنكرون أنَّ الله تعالى هو الشارع للأحكام، وإنما يقولون: إن العقل يُدرك أنّ الله شرع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها، فهي طريق عندهم إلى العلم بالحكم الشرعي، فليس في قوله: "الشرعية" تنبيه على خلاف قول المعتزلة، وإنْ كان قول المعتزلة باطلًا، ولعله اسْتَنَد في هذا إلى قول الإمام، فإنه قال: قولنا: الشرعية احترازٌ عن العلم بالأحكام العقلية، كالتماثل والاختلاف، والعلم بقُبْح الظلم وحُسْن الصدق، عند مَنْ يقول بكونهما عقليين (٤).

وكلام الإمام هذا صحيح، ومعناه: أن الحُسن والقُبح لا يُدْرَكان بالعقل عندنا، فلا يُحْترز عنهما، وأما عند المعتزلة فَيُدْرَكان بالعقل وهما حكمان عقليان يُحترز عنهما، وليس العلم بهما فِقْها، والحكم الشرعي تابع لهما على رأي المعتزلة لا عَيْنُهما، فما كان حَسَنًا جَوَّزه الشرع، وما


(١) من كون المراد بالشرعية: ما يتوقف معرفتها على الشرع.
(٢) هو شرح شمس الدين الأصفهاني على المنهاج.
(٣) انظر: شرح المنهاج للأصفهاني ١/ ٣٩، تحقيق د/ عبد الكريم النملة.
(٤) انظر: المحصول ١/ ق/ ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>